للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعقوبة مداواة، والرحمة عطاء وبذل.

الوجه الخامس والعشرون: أنَّه سبحانه لا بُدَّ أن يظهر لخلقه جميعهم يوم القيامة صدقه وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين المفترين، ويظهر لهم حكمه الذي هو أعدل حكم في أعدائه، وأنه حكم فيهم حكمًا يحمدونَهُ هم عليه؛ فضلًا عن أوليائه وملائكته ورسله، بحيث ينطق الكون كله بالحمد للَّه رب العالمين، ولذلك قال تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥) } [الزمر: ٧٥]، فحذف فاعل القول إرادة الإطلاق (١) ، وأن ذلك جار على لسان كل ناطق وقلبه، قال الحسن: "لقد دخلوا النار، وإن قلوبهم لممتلئة من حمده ما وجدوا عليه سبيلًا" (٢) ، وهذا هو الذي حَسَّنَ حذف الفاعل من قوله: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [الزمر: ٧٢] حتى كأنَّ الكون كله قائل ذلك لهم، إذ هو حُكْمُهُ العدل فيهم، ومقتضى حكمته وحمده.

وأما أهل الجنة فقال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (٧٣) } [الزمر: ٧٣]، فهم لم يستحقوها بأعمالهم، وإنما استحقوها بعفوه ورحمته وفضله، فإذا أشهد سبحانه ملائكته وخلقه كلهم حُكْمه العدل، وحكمته الباهرة، ووَضْعه العقوبة حيث تشهد العقول والفِطَر (٣) والخليقة أنَّه أولى المواضع وأحقها بها، وأن ذلك


(١) في "ج": "لإطلاق"، وفي "د": "للإطلاق".
(٢) لم أقف عليه.
(٣) قوله "تشهد العقول والفطر" وقع في "هـ": "يشهد العقل والفطرة".