وكونهم غير خارجين عن ملكه وقهره ثم قال تعالى:"غافر الذنب وقابل التوب "
تأنيباً لمن استجاب بحمده وأناب بلطفه، وجريا على حكم سبقية الرحمة
وتقليبها ثم قال:"شديد العقاب ذى الطول " ليأخذ المؤمن بلازم عبوديته من
الخوف والرجاء، واكتنف قوله شديد العقاب بقوله غافر الذنب وقابل التوب وقوله ذي الطول، وأشار سبحانه بقوله:"فلا يغررك تقلبهم في البلاد"(آية: ٤) إلى قوله قبل وأورثنا الأرض " (الزمر: ٧٤) وكأنه في تقدير إذا كانت العاقبة لك ولأتباعك فلا عليك من تقلبهم في البلاد ثم بين تعالى أن حالهم في هذا كحال الأمم قبلهم وجدالهم في الآيات كجدالهم وإن ذلك لما حق عليهم من كلمة العذاب وسبق لهم في أم الكتاب.
[سورة حم السجدة]
لما تضمنت سورة غافر بيان حال المعاندين وجاحدي الآيات وأن ذلك ثمرة
تكذيبهم وجدلهم وكأن بناء السورة على هذا الغرض بدليل افتتاحها وختمها ألا ترى قوله تعالى: "مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا" وتأنيس نبيه
عليه الصلاة والسلام بقوله: "فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ"
فقد تقدم ذلك من غيرهم فأعقبهم سوء العاقبة والأخذ الوبيل "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ"