بتحقيقه وقرب وقوعه في المعارج، ثم تسليته عليه الصلاة والسلام وتأنيسه بقصة نوح مع قومه أعقب ذلك بما يتعظ به الموفق ويعلم أن القلوب بيد الله، فقد كانت استجابة معاندى قريش والعرب أقرب في ظاهر الأمر لنبيء من جنسهم ومن أنفسهم، فقد تقدمت لهم معرفة صدقه وأمانته، ثم جاءهم بكتاب بلسانهم الذى به يتحاورون ولغتهم التى بها يتكلمون فقد بهرت العقول آياته ووضحت لكل قلب سليم براهينه ومعجزاته، وقد علموا أنهم لا يقدرون على معارضته إلى ما شاهدوه من عظيم البراهين، ومع ذلك عموا وصموا، وسبق إلى الإيمان من ليس من جنسهم ولا سبقت له مزية تكريمهم وهم الجن ممن سبقت لهم من الله الحسنى فآمنوا وصدقوا، وأمر - صلى الله عليه وسلم - بالإخبار بذلك فأنزل عليه "قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ".. إلى قوله إخبارا عن تعريف الجن سائر
إخوانهم بما شاهدوه من عناد كفار العرب "وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩)
ثم استمرت الآى ملتحمة المعاني معتضدة المباني إلى آخر السورة.
[سورة المزمل]
لما كان ذكر إسلام الجن قد أحرز غاية انتهى مرماها، وتم مقصدها
ومبناها، وهي الإعلام باستجابة هؤلاء وحرمان من كان أولى بالاستجابة وأقرب في