يستوجب ذلك أو بعضه، ولو تقدم عمل لم يقع إلا بمشيئته وتوفيقه وإرادته ولا يستوجب أحد عليه شيئاً وإنما هو فضله يوتيه من يشاء، فقال سبحانه منبها على ما وقع الإيماء إلى بعضه "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) . ومع ذلك لا ينفعه وقوع صورته الظاهرة في عالم الشهادة على أكمل خلق وأتم وضع، بل إذا لم يصحبه توفيق وسبقية سعادة من خالقه ولم يجعل له نورا يمشي به لم ير غير نفسه، ولا عرف إلا أبناء جنسه فقصر نظره على أول ما شاهد، ووقف عندما عاين من غير اعتبار يجره إلى تحقيق مآله وتبيين حاله أنه لم يكن شيئا مذكورا، فلما قصر وما أبصر اعتقد لنفسه الكمال وعمي عن المبدأ والمآل، فصار أسفل سافلين حيث لم ينتفع بآلات نظره ولا تعرف حقيقة خبره، "أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ".
ثم قال تعالى: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات "
فهم الذين هداهم ربهم بإيمانهم فجروا بسنة من خلقهم في أحسن تقويم، واستوضحوا الصراط المستقيم، واستبصروا، فأبصروا ونظروا فاعتبروا، وقالوا ربنا الله ثم استقاموا، "فلهم أجر غير ممنون ".
[سورة العلق]
لما قال سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (٨) .
وكان معنى ذلك على هذا بعد وضوح الأمر لك وبيانه، وقد نزهه تعالى عن التكذيب بالحساب وأعلى قدره عن ذلك، ولكن سبيل