فبين تعالى أن لعنته إياهم إنما ترتبت على عصيانهم واعتدائهم، وقد فصل اعتداؤهم أيضا في مواضع، فلما كان الغضب مشيرا إلى ما ذكر من عظيم الشرك أتبعه سبحانه تنزيه نفسه جل وتعالى فقال:"سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ"
وإنما يرد التنزيه في الكتاب إثر جريمة تقع من العباد، وعظيمة يرتكبونها، وتأمل ذلك حيث وقع، ثم عاد إلى الِإخبار بما فعل تعالى بأهل الكتاب مما يتصل بما تقدم ثم تناسبت الآي.
[سورة الممتحنة]
افتتحت هذه السورة بوصية المؤمنين على ترك موالاة أعدائهم ونههيهم
عن ذلك، وأمرهم بالتبري منهم وهو المعنى الوارد في قوله خاتمة المجادلة "لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ"
إلى آخر السورة"، وقد حصل منها أن هذه أسنى أحوال أهل الإيمان، وأعلى مناصبهم "أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ"
فوصى عباده في افتتاح الممتحنة بالتنزه عن موالاة الأعداء، ووعظهم بقصة إبراهيم عليه السلام والذين معه في تبرئهم من قومهم ومعاداتهم
والاتصال في هذا بين، وكأن سورة الحشر وردت مورد الاعتراض المقصود بها تمهيد الكلام وتنبيه السامع على ما به تمام الفائدة لما ذكر أن شأن المؤمنين أنهم لا يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أقرب الناس إليها، واعترض بتنزيهه عن مرتكباتهم، ثم أتبع ذلك بذكر ما عجله لهم من النقمة والنكال، ثم عاد الأمر إلى النهي عن موالاة الأعداء جملة، ثم لما كان أول سورة الممتحنة إنما نزل في حاطب بن أبي بلتعة