هي من تمام ما تقدمها لأنه لما أمره عليه الصلاة والسلام بأن هذا الكتاب
هو الذي كانت يهود تستفتح به على مشركي العرب وتعظم أمره وأمر الآتي به حتى إذا حصل ذلك مشاهدا لهم كانوا أول كافر به فقال تعالى:"لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) .. إلى قوله (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) .
وفي التعريف بهذا تأكيد ما تقدم بيانه مما يثمر الخوف وينهج بإذن
الله التسليم والتبري من ادعاء حول أو قوة، فإن هؤلاء كانوا قد قدم إليهم في أمر الكتاب والآتي به ما يجدونه مكتوبا عندهم في التوارة والإنجيل، وقد كانوا يؤملون الانتصار به عليه الصلاة والسلام من أعدائهم ويستفتحون بكتابه، فرحم الله من لم يكن عنده علم منه كأبي بكر وعمر وأنظارهما رضى الله عنهم، وحرم هؤلاء الذين قد كانوا على بصيرة من أمره وجعلهم بكفرهم شر البرية ورضي عن الآخرين ورضوا عنه، وأسكنهم في جواره ومنحهم الفوز الكببر والحياة الأبدية، وإن كانوا قبل بعثه عليه الصلاة والسلام على جهالة وعمى فلم يضرهم إذ قد سبق لهم في الأزل "أولئك هم خير البريئة".
[سورة الزلزلة]
وردت عقب سورة البينة ليبين بها حصول جزاء الفريقين ومآل الصنفين
المذكورين في قوله: "إن الذين كفروا من أهل الكتاب".. إلى قوله: شر البريئة"