ليظهر تفاوت المنزلتين وتباين ما بين الحالتين وهي العادة المطردة في
الكتب، ولم يقع صريح التعريف هنا كما وقع في الطرف الآخر ليطابق المقصود، ولعل بعض من يتفطن، يعترض هنا بأن هذه السورة من أول ما أنزل فكيف يستقيم مرادك من ادعاء ترتيبها على ما تأخر عنها نزولا، فيقال له وأين غاب اعتراضك في عدة سور مما تقدم بل في معظم ذلك، وإلا فليست سورة البقرة من المدني ومقتضى تأليفنا هذا بناء ما بعدها من السور على الترتيب الحاصل في مصحف الجماعة إنما هو عليها وفيما بعد من المكي ما لا يحصى، فإنما غاب عنك نسيان ما قدمناه في الخطبة من أن ترتيب السور على ما هي عليه راجع إلى فعله عليه الصلاة والسلام كان ذلك بتوقيف منه أو باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم على ما قدمناه، فارجع بصرك وأعد في الخطبة نظرك والله يوفقنا إلى اعتبار بيناته وتدبر آياته ويحملنا في ذلك ما يقربنا إليه بمنه وفضله.
[سورة القدر]
وردت تعريفا بإنزال ما تقدم الأمر بقراءته لما قدمت الإشارة إلى عظيم أمر
الكتاب وأن السلوك إليه سبحانه إنما هو من ذلك الباب، أعلم سبحانه بليلة إنزاله وعرفنا بقدرها لنعتمدها في مظان دعائنا وتعلق رجائنا ونبحث على الاجتهاد في العمل لعلنا نوافقها وهي كالساعة في يوم الجمعة في إبهام أمرها مع جليل قدرها، ومن قبيل الصلاة الوسطى، ولله سبحانه في إخفاء ذلك رحمة وكأن في التعريف بعظيم قدر هذه الليلة التعريف بجلالة المنزل فيها، فصارت سورة القدر من تمام ما تقدم ووضح اتصالها.