فأما سورة الجمعة فيبشر بها المؤمنين ويحرضهم وأما سورة المنافقين فيؤيس بها
المنافقين ويوبخهم وهذا نحو ما ذكرناه أولا.
[سورة التغابن]
لما بسط في السورتين قبل من حال مَن حمل التوراة في بني إسرائيل، ثم لم
يحملها، وحال المنافقين المتظاهرين بالإسلام وقلوبهم كفر وعناد متكاثفة الإظلام وما بين خروج الفرقتين عن سواء السبيل المستقيم، وتنكبهم عن هَديِ الدين القويم، وأوهم ذكر اتصافهم بمتحد أوصافهم خصوصهم في الكفر بوسم الانفراد وسم ينبئء عن عظيم ذلك الإبعاد سوى ما تناول غيرهم من أضراب الكفار، فأنبأ تعالى عن أن الخلق بجملتهم وإن تشعبت الفرق، وافترقت الطرق راجعون بحكم السوابق إلى طريقتين، فقال تعالى:"هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ"
وقد أوضحنا الدلائل أن المؤمنين على درجات وأهل الكفر
ذوو طبقات، وأهل النفاق أدونهم حالا وأسوأهم كفرا وضلالاً "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار"(النساء: ١٤٣)
وافتتحت السورة بالتنزيه لعظيم مرتكب المنافقين في جهلهم، ولولم تنطو سورة المنافقين من عظيم مرتكبهم إلا على ما حكاه تعالى من قولهم "لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ"