فهلا اعتبر هؤلاء بما يعانونه ويشاهدونه من خلق الابل ورفع السماء ونصب الجبال وسطح الأرض وكل ذلك لمصالحهم ومنافعهم، فالإبل لأثقالهم وانتقالهم، والسماء لسقيهم وإظلالهم، والجبال لاختزان مياههم وإقلالهم، والأرض لحلولهم، وارتحالهم، فلا بهذه استبصروا، ولا بمن خلا من
القرون اعتبروا "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ"(الآية: ٦)
على عظيم طغيانها وصميم بهتانها "إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ"(آية: ١٤)
ْلما أوضح سبحانه حال من تقدم ذكره في السورتين في عظيم حيرتهما
وسوء غفلتهم وما أعقبهم ذلك من التذكر تحسرا حين لا ينفع الندم ولات حين مطمع، أتبع ذلك بتعريف نبيه علي الصلاة والسلام بأن وقوع ذلك منهم إنما جرى على حكم السابقة التى شاءها والحكمة التى قدرها كما جاء في الموضع الآخر
"وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا"
فأشار تعالى إلى هذا بقوله:"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (٤)
أي إنا خلقناه كذلك ابتلاء ليكون ذلك قاطعا لمن سبق له الشقاء عن التفكر والاعتبار، "وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧)