ولو أنهم بعد عذاب الآخرة، ومعاينة البعث وعظيم تلك الأهوال، وسؤالهم
الرجوع إلى الدنيا وقولهم "رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ "
فلو أجيبوا إلى هذا وأرجعوا لعادوا إلى حالهم الأول، "وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ". تصديقا لكلمة الله وإحكاما لسابق قدره "أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩)
فقال لهم "لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) . إلى آخرها" فبان أمر الفريقين وارتفع الإشكال واستمر كل على طريقه "فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ"، "إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ " (الشورى: ٤٨)
فتأمل موقع هذه السورة وأنها الخاتمة لما فصل في الكتاب يلح لك وجه تأخيرها. والله أعلم.
[سورة النصر]
لما كمل دينه واتضحت شريعته واستقر أمره - صلى الله عليه وسلم -، وأدى أمانة رسالته حق أدائها عرف عليه السلام نفاذ عمره وانقضاء أجله، وجعلت على ذلك علامة دخول الناس في دين الله جماعات بعد التوقف والتثبط حكمة بالغة "ولو شاء الله لجمعهم على الهدى" (الأنعام: ٣٣) ، وأمِر بالإكثار من الاستغفار المشروع في أعقاب المجالس وفي أطراف النهار وخواتم الأخذ مما عسى أن يتخلل من لغو أو فتور، فشرع سبحانه الاستغفار ليحرز لعباده من حفظ أحوالهم ورعي أوقاتهم ما