إنما يراد به يهود، فذكر سبحانه سوء سريرتهم وعظيم جرأتهم، ثم قال في آخر السورة:"لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ"
فحصل من هذا كله تنفير المؤمنين منهم وإعلامهم بأن بغضهم من الإيمان
وودهم من النفاق لقبح ما انطووا عليه وشنيع ما ارتكبوه.
فلما أشارت هذه الآي إلى ما ذكر اتبعت بالإعلام في أول سورة الحشر بما
عجل لهم من هوانهم وإخراجهم من ديارهم وأموالهم، وتمكين المسلمين منهم جرى على ما تقدم الإيماء إليه من سوء مرتكبهم، والتحمت الآي باتحاد المعنى وتناسبه وتناسخ الكلام، وافتتحت السورة بالتنزيه لبنائها على ما أشار إليه غضبه تعالى عليهم، إذ لا يكون إلا على أعظم جريمة وأسوأ مرتكب، وهو اعتداؤهم وعصيانهم المفصل في مواضع من الكتاب، وقد قال تعالى فيهم بعد ذكر غضبه عليهم "أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ"(المائدة: ٦٠) وقال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) .