للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى ما بعد ذلك من الآي، وكان ذلك ضرب من الالتفات الواقع منه هنا أشبه شيء بقوله سبحانه في سورة ابقرة "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ"

فإنه بعد تفصيل حال المتقين وحال من جعل في طرف منهم، وحال من تشبه بظاهره بالمتقين وهو معدود في شرار الكافرين، فلما تم هذا النمط عدل بعده إلى دعاء الخلق إلى عبادة الله وتوحيده "يا أيها الناس اعبدوا ربكم " (البقرة: ٢١) ثم عدل بالكلام جملة وصرف الخطاب إلى تعريف نبيه عليه الصلاة والسلام ببدء الخلق "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" فجاء ضربا من الالتفات فكذا الواقع هنا بين سبحانه حال مشركي العرب وقبح عنادهم وقرعهم وبخهم في عدة سور غالب آيها جار على ذلك ومجرد له، أولها سورة (ص) ، كما نبه عليه في سورة القمر وإلى الغاية التي ذكرت فيها إلى أن وردت سورة القمر منبئة بقطع دابرهم، وانجر فيها الإعذار المنبه عليه، وكذا في سورة الرحمن بعدها.

ثم أعقب ذلك بالتعريف بحال النزول الأخروي في سورة الواقعة مع زيادة

تقريع وتوبيخ على مرتكبات استدعت تسبيحه تعالى وتقديسه عن شنيع افترائهم، فأتبعت بسورة الحديد ثم صرف فيها الخطاب إلى المؤمنين، واستمر ذلك إلى آخر السورة، وجرت سورة المجادلة على هذا القصد مصروفا خطابها إلى نازلة يتشوف المؤمنون إلى تعرف حكمها وهو الظهار المبين أمره فيها، فلم يعدل بالكلام بعد كما كان قد صرف إليه في قوله: "آمنوا بالله ورسوله " (الحديد: ٧) بأكثر من التعرض لبيان حكم يقع منهم.

ثم إن السور الواردة بعد إلى آخر الكتاب استمر معظمها على هذا الغرض

لانقضاء ما قصد في التعريف بأخبار القرون السالفة والأمم الماضية، وتقريع من عاند وتوبيخه، وذكر مآل الخلق واستقرارهم الأخروي، وذكر تفاصيل التكاليف والجزاء عليها من الثواب والعقاب، وما به استقامة من استجاب وآمن وما يجب أن يلتزمه على درجات التكاليف وتأكيدها، فلما كمل ذلك صرف الكلام إلى ما يخص المؤمنين في أحكامهم وتعريفهم بما فيه خلاصهم ومعظم آي السورة بعد هذا شأنها، وإن انجر غيرها فلاستدعاء وموجب وهو الأقل كما بينا.

<<  <   >  >>