فلما أخذوا كل مأخذ فما أغنى ذلك عنهم، قال تعالى
لنبيه - صلى الله عليه وسلم - "فتول عنهم" وتمامها، "حتى حين"
ولم يقع أمره - صلى الله عليه وسلم - بتركهم والإعراض عنهم والتولي إلا بعد حصول القصص في السور المذكورة
وأخذهم بكل طريق، وأول أمره بذلك - صلى الله عليه وسلم - في سورة السجدة "فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠)
ثم في سورة الذاريات "فتول عنهم فما أنت بملوم "
ثم في قوله هنا "فتول عنهم " (آية: ٦) ، فتأمل ذلك، ثم ذكر
تعالى قصص الأمم إثر قوله تعالى هنا "فتول عنهم " بأشد وعيد وأعظم تهديد
يعقب كل قصة بقوله تعالى: "وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ"
وقوله " فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ "
ثم صرف الكلام إليهم بما تقدم في قوله "أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ"
فبلغ ذلك أعظم مبلغ في البيان والإعذار، ثم قال تعالى: "وكل شيء فعلوه في الزبر"
فعرف سبحانه بسابق حكمته فيهم إنا كل شيء خلقناه بقدر وانقضى ذكر القصص، فلم يتعرض لها مستوفاة على هذا المساق فيما بعد إلى آخر الكتاب فسبحان من رحم به عباده المتقين وجعله آية باهرة إلى يوم الدين، وقطع به عناد الجاحدين وغائلة المعتدين وجعله بيانا كافيا ونورا هاديا وواعظا شافيا، جعلنا الله ممن اهتدى واعتلق بسببه إنه أهل الاستجابة والعفو والمغفرة.
[سورة الرحمن]
من المعلوم أن الكتاب العزيز وإن كانت آياته كلها معجزة باهرة وسوره في
جليل النظم وبديع التأليف قاطعة بالخصوم قاهرة، فبعضها أوضح من بعض في