هذه سورة موضحة ومتممة للمقصود في السورتين قبلها، فبان لك أن الصور الإنسانية بظاهر الأمر مما هىْ عليه من الترتيب والإتقان، قد كانت تقتضي الاتفاق بظاهر ارتباط الكمال بها من حيث إنها في أحسن تقويم والافتراق يبعد في الظاهر،فكيف افترق الحكم واختلف السلوك، فمن صاعد بالاستيضاح والامتثال، ونازل أسفل سافلين فضلا عن ترقي درجات الكمال، فإذن ليس يرقى من خص بمزيه التقرب إلا أنه نودي من قريب فأسرع في إجابة مناديه وأصاخ، وما اعتل بحاديه
فسلك من واضحات السبيل ما رسم له وبنى على ما كتب له من ذلك عمله، "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا"
فعلى العاقل المنصف في نفسه أن يعلم أن كلا ميسر لما خلق له، فيضرع إلى خالقه في طلب الخلاص، من وجد خيرا فليحمد الله.
فأوضحت هذه السورة أن ما أعطى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - وخصه به من ضروب الكرامات وابتدأه به من عظيم الآلاء مما تضمنت السورتان إلى ما منحه من خير الدارين، وما تضمن قسمه سبحانه أنه ما ودعه ولا قلاه من الملاطفة والتأني
ودلائل الحب والتقريب، كل ذلك فضل منه تعالى وإحسان لا لعمل تقدم