فلما بنيت على هذا الغرض أعقبت بذكر الآية العظيمة التى تحديت بها العرب
وقامت بها حجة الله سبحانه على الخلق، وكأن قد قيل لهم احذروا ما قدم لكم فقد جاءكم محمد - صلى الله عليه وسلم - بأوضح آية وأعظم برهان "تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيرًا وَنَذِيرًا"(الآيات: ٣ - ٤) وتضمنت هذه السورة
العظيمة من بيان عظيم الكتاب وجلالة قدره كبير الرحمة به ما لا يوجد في غيرها من أقرانها كما أنها في الفصاحة تبهر العقول بأول وهلة فلا يكن للعريى الفصيح في شاهد برهانها أدنى توقف ولا يجول في وهمه إلى معارضة بعض آيها أدنى تشوف، "وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) "
(آية: ٤١ - ٤٢)"وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ"(آية: ٤٤) فوبخهم تعالى وادحض حجتهم وأرغم باطلهمِ، وبكت دعاويهم ثم قال:"قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ"(آية: ٤٤)" إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ " وقرعهم تعالى في ركيك جوابهم عن واضح حجته بقولهم: "قلوبنا في أكنة مما تدعون إليه وفي آذاننا وقر"(آية: ٣) وقولهم "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه "(آية: ٢٦) وهذه شهادة منهم على أنفسهم بالانقطاع عن معارضته وتسليمهم بقوة عارضته، ثم فضحهم بقوله:"قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ.... الآية ".