ليعلموا أن الهدى من عنده فيلحوا في الطلب ويتبرؤوا من ادعاء حول
أو قوة.
تم نبهوا على الإخلاص، وأن يكون قولهم "اهدنا الصراط " صادرا عن يقين
وإخلاص حتى لا يشبهوا من يقول:"آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمومنين "، وبسط لهم حال هؤلاء في ثلاث عشرة آية ما يوضح لهم طريق
الهدى الواضح، إذ حذروا من شكك هؤلاء وحيرتهم فقالوا: اهدنا عن يقين
وإخلاص، ثم أعقب ذلك الدلائل المشاهدة من جعل الأرض فراشا والسماء بناء وإنزال الماء وإخراج النبات وذلك كله أمر مشاهد يصل إليه كل عاقل بأول وهلة.
ثم أعقب بابتداء الخلق وهو قوله تعالى:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)
وذلك كله مبين لقوله "رب العالمين ملك يوم الدين " إذ من البدأة تعلم العودة لمن تدبر، وقد نبه تعالى بتكرر النبات.
ثم ذكر أحوال بني إسرائيل وإمهالهم على مرتكباتهم ومعاملتهم بالعفو والإقالة
وذلك مبين سعة رحمته، وأعلم تعالى أن أفعالهم تلك مما أعقبهم أن "ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله "(البقرة: ٦١) تحذيرا لمن طلب سلوك الطريق المستقيم من حالهم، وإعلاما لعباده أن المتقين المستجاب لهم عند قولهم "اهدنا" ليسوا في شيء من ذلك لأنهم قالوا اهدنا عن يقين وإخلاص متبرين من المساوىء.
ثم أعقب تعالى تفصيل أحوال هؤلاء بقوله:"وإذا ابتلى إبراهيم ربه
بكلمات فأتمهن "البقرة ١٢٤) ليبين أحوال المصطفى من أهل الصراط المستقيم فأنبأ تعالى بحال إبراهيم، وإتمام ما ابتلاه به من غير توقف ولا بحث عن علة، وهي أسنى أحوال العباد، وفي طرف من حال من قدم من بني إسرائيل وهذا الموضع مما يعضد ما ظهر في قصة أمر بنى إسرائيل في ذبح البقرة من وجوه الحكمة،
فتوقفوا وشددوا بعد إسائتهم الأدب مع نببهم فأورثهم ذلك نكالا وبعدا.