بالتسليم والتضرع في التخلص والتجاؤه إلى السميع العليم، آنس تعالى أحب عباده إليه وأعظم منزلة لديه، وذكر له ما منحه من تقريبه واجتبائه وجمع خير الدارين له فقال:(وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤)
ثم عدد تعالى عليه نعمه بعد وعده الكريم له بقوله:
(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)
وأعقب ذلك بقوله:(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠) فقد آويتك قبل تعرضك وأعطيتك قبل سؤالك، فلا تقابله بقهر من تعرض وقهر من سأل وقد حاشاه سبحانه عما نهاه عنه، ولكنه تذكير بالنعم، وليستوضح الطريق من وفق من أمته - صلى الله عليه وسلم -، أما هو
- صلى الله عليه وسلم - فحسبك من تعرف رحمته ورفعه قوله:"وكان بالمؤمنين رحيما"، "عزيز عليه ما عنتم - إلى - رحيم ".
ثم تأمل استفتاح هذه السورة ومناسبة ذلك المقصود، وكذلك السورة قبلها
برفع القسم في الأولى بقوله:"والليل إذا يغشى"
تنبيها على إبهام الأمر في السلوك على المكلفين وغيبة حكم العواقب، وليناسب هذا حال التذكر بالآيات وما يلحقه من الخوف مما أمره غائب عنه من تيسيره ومصيره واستعصاء ما به يحصل اليقين واستصغار درجة المتقين، ثم لما لم يكن هذا غائب بالجملة عن آحاد المكلفين أعني ما يثمر العلم اليقين ويعلي من أهِّل للترقي في درجات المتقين، بل قد يطلع سبحانه خواص عباده بملازمة التقوى والاعتبار على واضحة السبيل ويريهم مشاهدة وعيانا ما قد انتهجوا قبل سبيله بمشقة النظر في الدليل، قال - صلى الله عليه وسلم -