أبيكم إبراهيم، كيف نظر عليه السلام نظر السامع المتيقظ فلم يعرج في أول نظرة على ما سبب وجوده بين فيحتاج فيه إلى فرض ما فرض في الكوكب والقمر والشمس، بل نظر فيما عنده صدور النور لا في النور "فلما جن عليه الليل رأى كوكبا"(آية: ٧٦) فتأمل قوله عليه السلام لم يطول النظر بالتفات النور، ثم كان يرجع إلى اعتبار الجرم الذي عنه النور، بل لما رأى النور أجرام سماوية تأمل تلك الأجرام وما قام بها من الصفات فرأى الأفول والطلوع والانتقال فقال هذا لا يليق بالربوبية لأنها صفات حدوث، ثم رقى النظر إلى القمر والشمس فرأى ذلك الحكم جاريا فيهما، فحكم بأن وراءها مدبرا لها يتنزه عن الانتقال والغيبة والأفول فقال:"إني وجهت وجهي للذى فطر السموات والأرض "(آية: ٧٩) وخص عليه السلام ذكر هذين لحملهما أجرام النور وسببيتهما في وجود الظلمة، ثم تأمل هذا النظر منه عليه السلام، وكيف خص بالاعتبار أشرف الوجودين وأعلاهما فكان في ذلك وجهان من الحكمة.
أحدهما علو النظر ونفوذ البصيرة في اعتبار الأشرف الذي إذا بان فيه
الأمر فهو فيما سواه أبين، فجمع بين قرب التناول وعلو التهدي.
والوجه الثاني: التناسب بين حال الناظر والمنظور فيه، والتفاؤل والجرى
على الفطرة العلية، وهو من قبيل أخذ نبينا عليه السلام اللبن حين عرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن فقيل له اخترت الفطرة، فكان قد قيل: هذا النظر
والاعتبار بالهام لا نظر من أخلد إلى الأرض فعبد الضياء والظلام.