وتأملت ما أيد به عليه السلام من المعجزات سوى القرآن، فإذا
بدروب لا يحصيها العد، ولا كاد تنحصر بالحد، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "وإنما كان الذي أوتيت وحياً"
يشير إلى دليل القرآن، وما خص به - صلى الله عليه وسلم - من ساطع ذلك البرهان، وما ذاك إلا لكون معجزته أوضح وأحكم، وأهدى وأقوم، فإنما ضمنت إلى - الدلالة والشهادة إيضاح الطربق وأعلمت بحال كل فريق، ثم زادت بنقائها للمعتبر ومشاهدتها للمدَّكر، وقد اضطر من تأخر فيما
سواها للخبر، وليس كالعيان، فلله ما أعظمها معجزة باقية مدى الدهور
والأزمان، وللمشاهدة حال لا ينكر وتعريف لا يتنكر، وفرق بين ما عرف
بالمشاهدة وبين ما علم بالدليل، وحسبك سوال نبي الله الخليل.
فالحمد لله الذي جمع لهذه الأمة الأمرين وخصها بالاعتبارين، فمن
معجزات نبينا - صلى الله عليه وسلم - المستوضح اعتبارا بالبيان، والمشاهد حسا بالعيان، وكما أن من تعامى في حياته - صلى الله عليه وسلم - عن نبع الماء من بين أصابعه وغير ذلك من معجزاته
ملوم مدحور، مأزرر غير مأجور، فكذلك من تعامى عن آيات الكثاب وكأن لم يقرع أذنه قارع من هذا الباب، ولهذا نبه تعالى بقوله: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ"، وبقوله: "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ"، وجهات اعتباره كثيرة، ولسلف هذه الأمة وخلفها مسالك في ذلك شهيرة.
وإني تأملت منها - بفضل الله - وجوه ارتباطاته وتلاحم سوره وآياته إلى