ثم أتبع سبحانه هذا بذكر حال بعض الناس ممن يدعي الإيمان، فإذا
أصابه أدنى أذى من الكفار صرفه ذلك عن إيمانه، وكان عنده مقاوما
لعذاب الله الصارف لمن عرفه عن الكفر والمخالفة فقال تعالى:"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ"
فكيف حال هؤلاء في تلقي ما هو أعظم من الفتنة وأشد في المحنة.
ثم أتبع سبحانه ذلك بما به يتأسى الموفق من صبر الأنبياء عليهم السلام
وطول مكابدتهم من قومهم، فذكر نوحا وإبراهيم ولوطا وشعيبا، وخص هؤلاء عليهم السلام بالذكر لأنهم من أعظم الرسل مكابدة وأشدهم ابتلاء، أما نوح عليه السلام، فلبث في قومه كما أخبر الله سبحانه ألف سنة إلا خمسين عاما، وما آمن معه إلا قليل، وأما إبراهيم عليه السلام فرمي بالمنجنيق في النار فكانت عليه بردا وسلاما، وقد نطق الكتاب العزيز بخصوص المذكورين (صلى الله عليهما وسلم وعلى الرسل والأنبياء أجمعين) بضروب من الابتلاءات خصلوا على ثوابها وفازوا من عظيم الرتبة النبوية العليا بأسنى نصابها، ثم ذكر تعالى أخذ المكذبين من أممهم فقال:"فكلا أخذنا بذنبه "(آية: ٤٠)
ثم وصى نبيه عليه السلام وأوضح حجته وتتابع اتساق الكلام إلى آخر السورة.