يتكرر على من حولهم من الانتهاب والقتل وسبي الذراري والحرم، إنما هو بمنع الله تعالى وكريم صونه لمن جاور حرمه وبيته، وإلا فالروم أكثر عددا وأطول مددا ومع ذلك تتكرر عليهم الفتكات والغارات وتتوالى عليهم الغلبات أفلا يشكر أهل مكة من أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. وأيضا فإنه سبحانه لما قال:"وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ"
أتبع ذلك سبحانه بذكر تقلب حالها وتبين اضمحلالها ومحالها، وأنها لا تصفو ولا تتم وإنما حالها أبدا التقلب وعدم الثبات، فأخبر بأمر هذه الطائفة التي هى من أكثر أهل الأرض وأمكنهم وهم الروم، وأنهم لا يزالون مرة عليهم وأخرى لهم، فأشبهت حالهم هذه حال اللهو واللعب فوجب اعتبار العاقل بذلك وطلبته الحصول على تنعم دار لا يتقلب حالها، ولا يتوقع انقلابها وزوالها، "وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ"
ومما يقوي هذا المأخذ قوله تعالى:"يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا"
أي لو علموا باطنها لتحققوا أنها لهو ولعب ولعرفوا أمر الآخرة "من
عرف نفسه عرف ربه "
ومما يشهد لكل من القصدين ويعضد كلا الأمرين قوله سبحانه:"أولم يسيروا في الأرض ... الآيات "(آية: ٩ وما بعدها) أى لو فعلوا
هذا وتأملوا لشاهدوا من تقلب أحوال الأمم وتغير الأزمنة والقرون ما بين لهم
عدم بقائها على أحد، فتحققوا لهوها ولعبها، وعلموا أن حالهم ستؤول إلى حال من ارتكب في العناد والتكذيب وسوء التبار والهلاك.