للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ومراده بالسنة والجماعة ما كان عليه سلف الأمة قبل أن يولد الأشعري ويؤسس طريقته الكلامية التي سار عليها أصحابه من بعده، وزادوا عليها أصولاً قرَّبتهم إلى المعتزلة، ثم إلى من هم أشر من المعتزلة، أعني الفلاسفة.
٣ - نقدوا شيخ الإسلام في اعتراضه على ابن عطية في عدم نقل قول السلف، أنقله بطوله ليتبين منهج هؤلاء في نقدهم، قالوا: «أنه ينقل عن الطبري، ولكنه يترك ما نقله الطبري عن السلف فلا يحكيه، ولو أنه ذكر كلامهم هذا لكان تفسيره أجمل وأحسن.
ولسنا نظن أن ابن عطية كان ملزمًا بنقل كل كلام السلف الذي نقله ابن جرير الطبري، فلكل أسلوبه، وقد كان ابن جرير ينقل كل الآراء، ويرجح بعضها على بعض أحيانًا وفي أحيان أخرى يتركها بدون ترجيح. أما ابن عطية، فلا يختار هذا الأسلوب، إنه صاحب منهج يقوم على مبادئ، ومن مبادئه ألا ينقل إلا ما يطمئن إلى صحته، ويرى أنه يتفق مع العقل، فنقد ابن تيمية غير وارد، وهل معنى أن يكون ابن عطية من أهل السنة والجماعة أن يتقبل كل صغيرة وكبيرة، وأن يسلِّم بكل ما يقول علماء المذهب دون أن يكون له رأي شخصي، إن هذا يلغي شخصيته، ويلغي شخصية كل عالم يريد أن ينصف نفسه ويحترم عقله، وإذا كان ابن تيمية في زمانه يتقبل هذا الرأي به فما أحسبنا في هذه الأيام نرضى لأنفسنا بأن نُسلِّم للسابقين بكل قول حتى ولو لم تقبله عقولنا، وهذا هو ما فعله ابن عطية على الرغم من تقدمه الكبير في الزمن علينا» مقدمة تحقيق المحرر الوجيز، ط: قطر (١:١٨).
هذا التعليق فيه مغالطات عدَّة تقوم على عدم فهم الفرق بين منهج السلف في الاعتقاد ومنهج الأشاعرة، وقد أثر هذا المنهج على طريقة الاستفادة من تفسير السلف المنقول، وإليك بعض الملحوظات على هذا التعليق:
أولاً: ذكروا منهج الطبري الاختياري، ولكنهم ذكروا امتياز ابن عطية عليه بأنه صاحب منهج يقوم على مبادئ، ولا ينقل إلا ما يطمئن إلى صحته، ويرى أنه يتفق مع العقل!
ولازم هذا القول أن ابن جرير أقل شأنًا من ابن عطية في هذا المقام، وأنه ليس له مبادئ يقوم عليها، مع أن الناظر للتفسيرين يرى ما تميَّز به ابن جرير من القدرة العقلية العلمية في النقد والتقويم للتفاسير التي يرويها، لكن هؤلاء لما كانوا في حال المدافعة عن ابن عطية لم ينتبهوا إلى لازم قولهم هذا. =

<<  <   >  >>