شارحي الأحاديث الشريفة كانوا يُفيضون في شرحها، واستنباط الأحكام منها، حتى إذا أتوا على أبواب الفتن، وأشراط الساعة، أمسكوا أو اقتصدوا في شرحها للغاية، وربما اقتصروا على تحقيق الحديث، واكتفوا بشرح غريبه؛ بخلاف ما يحصل من بعض المتعجلين المتكلفين اليوم؛ فإنه بمجرد ظهور بوادرَ لأحداث معينة؛ سياسية كانت، أو عسكرية، محلية، أو عالمية تستخفهم البُداءات (١)، وتستفزهم الانفعالات، فيُسقطون الأحاديث على أشخاص معينين، أو وقائع معينة، ثم لا تلبث الحقيقة أن تبيت، ويكتشفوا أنهم تهوروا، وتعجلوا.
وربما كان دافعهم نبيلًا؛ فهم يحسبون أن إسقاط النبوءات على الواقع مما يزيد يقين المسلمين، ويقوي إيمانهم، ويمكنهم من إقامة الحجة على المكذبين بنبوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا تأييدٌ لدين الحق. نقول: نعم، ولكن بالشرط المذكور آنفًا؛ لأن العجلة في مثل ذلك قد تأتي بعكس ما يشتهون؛ إذ لو خيبت الأحداث -إذا اكتملت- ظنهم، فربما جاءت النتيجة عكسية عند الكفار، وعند ضعاف المسلمين.
ولا بد من أن تكون النصوص التي يطبق عليها هذا الضابط مما يطرق دلالتَه الاحتمالُ، بخلاف النصوص المحكمة التي دلَّ الدليل على المراد منها؛ بحيث لا تلتبس على أحد؛ فإنها لا تخضع لهذا الضابط؛
(١) انظر: "مفتاح دار السعادة" لابن القيم ص (١٦٩, ١٧٠) ط. دار الحديث- القاهرة- ١٤١٤ اهـ