هؤلاء كلهم حفاظ جزموا بأنه من رواية أبي واقد، وهذا إهمال منهم لتلك العلة المتصورة؛ لأنها مرجوحة ولم أستقص في ذلك وإنما ذكرت ما وقع اتفاقًا. ثم هذه العلة لو لم تكن محتملة فهى علة الِإرسال، وليس رد الحديث بها مسلَّمًا عند أهل العلم، بل منهم من قبل الحديث المرسل وعمل به في الأحكام ومنهم من شرط له شروطًا بل ومنهم من قدمه على الحديث المتصل، وقالوا: لو لم يكن الحديث صحيحًا بلا شك عند مرسله لما جزم بنسبته للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا يظن بالمُرسِل أن يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جازمًا حديثًا لا يدري ثابت هو أم لا، أو يدري أنه غير ثابت فيقع في الوعيد العظيم. وأزيد لا سيما لو كان مثل صاحب حديثنا، وهو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة وعلم من الأعلام. (انظر مقدمة المراسيل لأبي داود وأصولها)، ولا أطيل بذكر الكلام عن المراسيل ولكن أقول: قبول مراسيل كبار التابعين التى يقولون فيها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلها بعض أهل العلم؛ لأن غالب رواياتهم عن الصحابة، فالذي بين أيدينا لو سلم إرساله أعلى درجة منها بكثير حيث ذكر الصحابي الذي روى ذلك ثم هو معروف بمصاحبته، وقبول أهل العلم لعنعنة المدلس الذي لا يدلس إلا عن ثقة أو كما يعبر عنهم الحافظ بالذين احتمل تدليسهم في جانب كثرة ما رووا، وفي الصحيحين من ذلك كثير كعنعنة الثوري ونحوه، فالذي بين أيدينا لا يقل عن ذلك بل يزيد. أما في ثبوت أن الحديث فيه إرسال، وأن رواية فليح شاذة إن لم تكن منكرة فدونه خرط القتاد بعد قليل من النظر: =