للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجوهِ أمرِه ونهيِه، ووظائِفِ حقوقِه وحُدودِه، ومبالِغِ فرائِضِه، ومقاديرِ اللازمِ بعضَ خَلقِه لبعضٍ، وما أشبَهَ ذلك مِنْ أحكامِ آيِه (١). فكذلك كانَ منهجُه في بيانِ القرآنِ للقُرآنِ.

سادساً: أبطلَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) أنواعاً مِنْ الاستدلالاتِ بالقرآنِ على المعاني؛ وذلك لِمَا فيها مِنْ مُخالَفَةِ أصولِ الاستدلالِ المُعتبَرةِ على ما سيأتي بيانُه، ومِمَّا أبطلَ مِنْ ذلك:

١ - الاستدلالُ بالقرآنِ لإثباتِ معنىً جاء القرآنُ بخلافِه؛ إذْ الواجِبُ جمعُ النُّصوصِ والتَّأليفُ بينَها، فكتابُ الله تعالى يُصدِّقُ بعضُه بعضاً، ولا يتناقَضُ، كما في قولِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠): «فإن قالَ لنا قائِلٌ: وما أنكرتُم أن يكونَ معنى قولِه ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]: لا تراهُ الأبصارُ؟ قُلنا له: أنكَرنا ذلك لأنَّ الله جلَّ ثناؤُه أخبرَ في كتابِه أنَّ وجوهاً -في القيامةِ- إليه ناظِرَةٌ (٢)، وأنَّ رسولَ الله أخبرَ أُمَّتَه أنَّهُم سيرَوْن ربَّهم يومَ القيامةِ كما يُرى القمرُ ليلَةَ البَدرِ، وكما تَرَوْن الشَّمسَ ليسَ دونها سحابٌ (٣). قالوا: فإذْ كانَ اللهُ قد أخبَرَ في كتابِه بما أخبَرَ، وحَقَّقَتْ أخبارُ رسولِ الله بما ذكرنا عنه مِنْ قيلِه ، أنَّ تأويلَ قولِه ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢ - ٢٣]: أنَّه نظرُ أبصارِ العيونِ لله ، وكانَ كتابُ الله يُصدِّقُ بعضُه بعضاً، وكانَ مع ذلك غيرُ جائِزٍ أن يكونَ أحدُ هذين الخبرَيْن ناسِخاً للآخرِ؛ إذْ كانَ غيرَ جائِزٍ في


(١) جامع البيان ١/ ٦٨، ٨٢، ٨٨.
(٢) يُشيرُ إلى قولِه تعالى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢ - ٢٣].
(٣) وذلك فيما أخرجه البخاريُّ ١/ ١٦٠، ٦/ ٤٤ (٨٠٦، ٤٥٨١)، ومسلم ١/ ٣٩٣، ٣٩٩، (١٨٢، ١٨٣).

<<  <   >  >>