للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرويها بأسانيدِها، لا يُرادُ به إلا تحقيقُ معنى لفظٍ، أو بيانُ سياقِ عِبارةٍ، وكيف اختلف المفسرون مِنْ الأوَّلين في معنىً؟ .. ، وجَعلَ استدلالَه بهذه الآثارِ كاستدلالِ المُستدلِّ بالشِّعرِ على معنى لفظٍ في كتابِ الله .. ، وهذا مذهبٌ لا بأسَ به في الاستدلالِ.

ومثلُه أيضاً ما يسوقُه مِنْ الأخبارِ والآثارِ التي لا يُشَكُّ في ضعفِها، فهو لم يَسُقْها لتكونَ مُهَيْمِنةً على تفسيرِ آي التَّنزيلِ الكريمِ، بل يَسوقُ الطَّويلَ الطَّويلَ لبيانِ معنى لفظٍ، أو سياقِ حادثةٍ، وإن كانَ الأثرُ نفسُه ممّا لا تقومُ به الحُجَّةُ في الدِّينِ، ولا في التَّفسيرِ التّامِّ لآي كتابِ الله. فاستدلالُ الطَّبري بما يُنكِرُه المُنكِرون لم يكن إلا استظهاراً للمعاني التي تدُلُّ عليها ألفاظُ هذا الكتابِ الكريمِ، كما يُستَظهَرُ بالشِّعرِ على معانيها، فهو إذن استدلالٌ يكادُ يكونُ لُغَويّاً، ولمّا لم يكُن مُستَنكَراً أن يُستدَلَّ بالشِّعرِ الذي كَذَبَ قائِلُه -ما صحَّتْ لُغَتُه- فليسَ بمُستَنكَرٍ أن تُساقَ الآثارُ التي لا يرتضيها أهلُ الحديثِ، والتي لا تَقومُ بها الحُجَّةُ في الدِّينِ، للدَّلالَةِ على المعنى المفهومِ مِنْ صَريحِ لفظِ القُرآنِ، وكيفَ فَهِمَهُ الأوائلُ، سواءٌ كانوا مِنْ الصَّحابةِ أو مَنْ دونَهُم .. ، وأرجو أن تكونَ هذه تَذكرةً تنفعُ قارئَ كتابِ الطَّبري إذا ما انتهى إلى شيءٍ ممّا عدَّه أهلُ عِلمِ الحديثِ مِنْ الغريبِ والمُنكرِ، وفي هذا مَقنَعٌ لمن أرادَ أن يعرفَ عِلمَ الأقْدَمين على وَجهِهِ، والحمدُ لله أوَّلاً وآخراً» (١).


(١) جامع البيان ١/ ٤٥٣، حاشية رقم (٢).

<<  <   >  >>