للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوَّلُهما: ما نصَّ عليه الأئمَّةُ مِنْ أنَّ مجموعَ هذه النُّصوصِ يُفيدُ تواتراً معنويّاً يُقطَعُ به على حُجِّيَّةِ الإجماعِ، قالَ الخطيبُ البغداديّ (ت: ٤٦٢) عن هذه الأحاديثِ: «إنَّها أحاديثُ تواتُرٍ مِنْ طريقِ المعنى؛ لأنَّ الألفاظَ الكثيرَةَ إذا وردت مِنْ طُرُقٍ مُختلفةٍ ورُواةٍ شَتّى ومعناها واحِدٌ = لم يجُزْ أن يكونَ جميعُها كذِباً، ولم يكُن بُدٌّ مِنْ أن يكونَ بعضُها صحيحاً» (١)، وقالَ الشَّاطبي (ت: ٧٩٠): «للاجتماعِ مِنْ القوَّةِ ما ليس للافتراقِ، ولأجلِه أفادَ التَّواترُ القطعَ، وهذا نوعٌ مِنه، فإذا حصلَ مِنْ استقراءِ أدلَّةِ المسألةِ مجموعٌ يُفيدُ العلمَ فهو الدَّليلُ المطلوبُ .. ، وإذا تأمَّلتَ أدلَّةَ كونِ الإجماعِ حُجَّةً، أو خبرَ الواحدِ، أو القياسِ حُجَّةً، فهو راجِعٌ إلى هذا المساقِ؛ لأنَّ أدلَّتها مأخوذةٌ مِنْ مواضِعَ تكادُ تفوتُ الحصرَ، وهي مع ذلك مُختلِفةُ المساقِ لا ترجعُ إلى بابٍ واحدٍ، إلا أنَّها تنتظِمُ المعنى الواحدَ الذي هو المقصودُ بالاستدلالِ عليه» (٢).

وثانيهما: «أنَّ هذه الأحاديثَ لم تزلْ ظاهرةً مشهورةً بين الصَّحابةِ ومَن بعدهم، مُتمسَّكاً بها فيما بينهم في إثباتِ الإجماعِ، مِنْ غيرِ خلافٍ فيها ولا نكيرٍ، إلى زمانِ وجودِ المُخالفين، والعادةُ جاريةٌ بإحالةِ اجتماعِ الخلقِ الكثيرِ، والجَمِّ الغفيرِ -مع تكرُّرِ الأزمانِ، واختلافِ هِمَمِهم ودواعيهم ومذاهبِهم- على الاحتجاجِ بما لا أصلَ له في إثباتِ أصلٍ مِنْ أصولِ الشَّريعةِ؛ وهو الإجماعُ المحكومُ به على الكتابِ


(١) الفقيه والمتفقه ١/ ٤٢٤. وينظر: المستصفى (ص: ١٧٣).
(٢) الموافقات ١/ ٢٩. وينظر: الإحكام، للآمدي ١/ ٢٩٠.

<<  <   >  >>