للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المِلَّةِ» (١)، وقولِه: «وفي إجماعِ أهلِ الإسلامِ جميعاً .. ، دليلٌ واضِحٌ على خطأِ ما قالَ» (٢).

وقد قرَّرَ أهلُ العلمِ أنَّ خلافَ الواحدِ مِنْ المجتهدين إنَّما يمنعُ انعقادَ الإجماعِ في أحَدِ ثلاثةِ أحوالٍ:

الأولى: أن يكونَ خلافاً مُعتبراً، فيما يسوغُ فيه الاجتهادُ، أمّا خلافُه بغيرِ دليلٍ مُعتبرٍ، أو في مقابلِ النَّصِّ = فشُذوذٌ لا يؤثِّرُ في صِحَّةِ الإجماعِ وانعقادِه.

الثّانية: أن لا يُنكِرَ عليه أهلُ الإجماعِ قولَه، فإن أنكروا قولَه فلا يُعتدُّ بخلافِه، وذلك مِنه أيضاً في معنى الشُّذوذِ.

الثّالثة: أن لا يقولَ بقولِ أهلِ الإجماعِ، ثُمَّ ينفردَ عنهم برأيه؛ فتلك حقيقةُ الشُّذوذِ؛ لتحقُّقِ العِصمةِ لرأيهم حالَ الإجماعِ، فالخروجُ عنه بعدَ ذلك شذوذٌ عن الصَّوابِ، قالَ الغزاليُّ (ت: ٥٠٥): «الشَّاذُّ عبارةٌ عن الخارجِ عن الجماعةِ بعدَ الدُّخولِ فيها، ومِن دخلَ في الإجماعِ لا يُقبلُ خلافُه بعدَه؛ وهو الشُّذوذُ، أمّا الذي لم يدخُلْ أصلاً فلا يُسمّى شاذّاً» (٣).

أمّا إن كانَ المُخالِفُ مِنْ أهلِ الاجتهادِ، وكانَ خِلافُه فيما يسوغُ فيه ذلك، ولم يُنكِر عليه أهلُ العلمِ غيرُه، ولم يكُن على رأيهم ثُمَّ خالفَهم = فلا إجماعَ، ولا شُذوذَ، ولكُلٍّ رأيُه، والرَّدُّ في ذلك إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ، قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «وإذا قيلَ: المُعتبرُ مِنْ أمَّةِ محمدٍ


(١) جامع البيان ١/ ٩٢.
(٢) جامع البيان ١/ ١٦٢. وينظر: ١/ ٢٢٣، ٣/ ١٩٨، ٥/ ٦٠٩.
(٣) المستصفى (ص: ١٨٤). وينظر: الإحكام، لابن حزم ٢/ ٨٣.

<<  <   >  >>