للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعُلمائِها. قيلَ: إذا اتَّفقت علماؤُها على شيءٍ فالباقون يُسلِّمون لهم ما اتَّفقوا عليه، لا يُنازعونَهم فيه؛ فصارَ هذا إجماعاً مِنْ المؤمنين، ومَن نازعَهم بعلمٍ فهذا لا يثبُتُ الإجماعُ دونَه كائناً مَنْ كانَ، أمّا مَنْ ليس مِنْ أهلِ العلمِ فيما تكلَّموا فيه، فذاك وجودُه كعدمِه .. ، وبالجُملةِ: العِصمةُ إنّما هي للمؤمنين لأمَّةِ محمدٍ لا لبعضِهم، لكن إذا اتَّفقَ علماؤُهم على شيءٍ، فسائِرُهم موافقون للعلماءِ، وإذا تنازعوا ولو كانَ المُنازعُ واحداً، وجبَ ردُّ ما تنازعوا فيه إلى الله والرَّسولِ. وما أحدٌ شذَّ بقولٍ فاسدٍ عن الجمهورِ إلا وفي الكتابِ والسُّنَّةِ ما يُبيِّن فسادَ قولِه، وإن كانَ القائلُ كثيراً .. ، وأمّا القولُ الذي يدلُّ عليه الكتابُ والسُّنَّةُ فلا يكونُ شاذّاً، وإن كانَ القائلُ به أقلَّ مِنْ القائلِ بذاك القولِ» (١).

ومذهبُ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في هذا البابِ أنَّه: لا يعتدُّ بخلافِ الواحدِ والاثنين ونحوِهما مِنْ الأقلِّ، في مقابلِ الجمهورِ الأعظمِ مِنْ الُمجتهدين، كما في قولِه: «لم يأتِ بأنَّ بعضَ ذلك غيرُ داخلٍ في الآيةِ خبرٌ عن الله، ولا عن رسولِه، وكانَت الأمَّةُ أكثرُها مُجمِعٌ على أنَّه فيه داخلٌ» (٢)، وقالَ: «والصَّوابُ مِنْ القولِ في ذلك عندي .. ؛ لإجماعِ الحُجَّةِ على ذلك» (٣)، وقد ذكرَ قبلَه خلافَ ابنِ عباسٍ . (٤)


(١) النبوات ١/ ٥٩٣. وينظر: الرسالة (ص: ٥٦٠)، والآراء الشاذَّة في أصول الفقه ١/ ١٢٤، ١٣٣ - ١٦٤.
(٢) جامع البيان ٩/ ٦٤١.
(٣) جامع البيان ١١/ ٥٢٥.
(٤) وربّما تأثَّرَ بذلك ابنُ عطيّةَ (ت: ٥٤٦) في تفسيرِه، وذلك في قولِه عن سورةِ الشّورى: «هذه السّورةُ مكيّةٌ بإجماعٍ مِنْ أكثرِ المُفسِّرين» ٧/ ٤٩٨.

<<  <   >  >>