للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحَدُّ مضرَّةٌ على بدنِ المحدودِ في دُنياه، وهو مِنْ العَنَتِ. وقد عمَّ اللهُ بقولِه ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] جميعَ معاني العَنَتِ، ويجمعُ جميعَ ذلك الزِّنا؛ لأنَّه يوجِبُ العقوبةَ على صاحبِه في الدنيا بما يُعنِتُ بدنَه، ويكتسبُ به إثماً ومضرَّةً في دينِه ودنياه. وقد اتَّفقَ أهلُ التَّأويلِ الذين هُمْ أهلُه على أنَّ ذلك معناه» (١)، وقد بلغت الإجماعاتُ مِنْ هذا النَّوعِ اثنين.

وتحسُنُ الإشارةُ هنا إلى أنَّ التعاملَ مع خلافِ المُفسِّرين بهذا المنهجِ الجريريِّ يُبرزُ حقيقةً امتازَ بها علمُ التَّفسيرِ؛ وهي: أنَّ مادَّةَ الإجماعِ فيه أكثرُ مِنْ مادَّةِ الخلافِ، وتحقيقُ ذلك مِنْ وجوهٍ؛ منها: أنَّ أكثرَ اختلافِ المُفسِّرين من قبيلِ اختلافِ التنوُّعِ لا اختلافَ التضادِّ كما هو معلومٌ، وكثيرٌ مِنْ اختلافِ التنوُّعِ مردُّهُ إلى قَولٍ واحدٍ تنوَّعَت أساليبُ المُفسِّرين في التَّعبيرِ عنه؛ ما بين تفسيرٍ بالمثالِ، وباللازمِ، وبجُزءِ المعنى، وبما يؤولُ إليه المعنى .. ونحوِ ذلك، لكنَّه في حقيقتِه معنىً واحد، وهو ما وقعَ إجماعُهم عليه، وإن تفاوتَتْ أساليبُهم في البيانِ عنه. والوصولُ إلى تلك الغايةِ الجليلةِ يتحقَّقُ باكتسابِ أمرَيْن لازِمَيْن:

الأوَّلُ: تمامُ استيعابِ أقوالِ المُفسِّرين في الآيةِ؛ باختلافِ أسانيدِها وألفاظِها.

الثّاني: حُسنُ توجيهِ أقوالِهم، وصِحَّةُ فهمِ مقاصدِهم، ودِقَّةُ البيانِ عنهم.


(١) جامع البيان ٦/ ٦١٦. وينظر: ٨/ ٦٤٥.

<<  <   >  >>