للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اجتمعا في ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) على التَّمامِ (١)، وما أحسنَ أن يتصدّى أهلُ التّأويلِ بعدَه لحَصرِ مواضِعِ الخلافِ بين المُفسِّرين في تفسيرِه، ثُمَّ التمييزُ بين نَوعَيْ الاختلافِ بينهم، ثُمَّ التّأليفُ بين أقوالِهم بذكرِ المعنى الجامعِ لما اختلفَتْ فيه عباراتُهم. وأجلُّ الثِّمارِ مِنْ ذلك: بيانُ قلَّةِ الخلافِ على الحقيقةِ في التَّفسيرِ، وتحديدُ مقدارِ ما يصحُّ فيه الإجماعُ مِنْ المعاني.

٤ - أنَّ قولَ المُخالفِ يحتملُ معنىً لا ينتقضُ به الإجماعُ، كقولِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠): «وأَوْلى التَّأويلَيْن بالآيةِ تأويلُ مَنْ قالَ: إنَّ قولَ الله ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١١] نزلَت في المنافقين الذين كانوا على عهدِ رسولِ الله ، وإن كانَ معنيّاً بها كُلُّ مَنْ كانَ بمثلِ صِفَتِهم مِنْ المنافقين بعدَهم إلى يومِ القيامة. وقد يحتمِلُ قولُ سلمانَ عندَ تلاوةِ هذه الآيةِ: ما جاءَ هؤلاءِ بعدُ. أن يكونَ قالَه بعدَ فناءِ الذين كانوا بهذه الصِّفةِ على عهدِ رسولِ الله ، خبراً مِنه عمَّن هو جاءٍ مِنهم بعدَهم ولمّا يَجئْ بعدُ، لا أنَّه عنى أنَّه لم يمضِ ممَّن ذلك صِفتُه أحدٌ. وإنَّما قُلنا: أَوْلى التَّأويلَيْن بالآيةِ ما ذَكرنا؛ لإجماعِ الحُجَّةِ مِنْ أهلِ التَّأويلِ على أنَّ ذلك صفةُ مَنْ كانَ بين ظَهرانَيْ أصحابِ رسولِ الله ، على عهدِ رسولِ الله ، مِنْ المنافقين، وأنَّ هذه الآياتِ فيهم نزلَتْ، والتَّأويلُ المُجمَعُ عليه أَوْلى بتأويلِ القرآنِ مِنْ قَولٍ لا دلالةَ على صِحَّتِه مِنْ أصلٍ ولا نظيرٍ» (٢)، وقد بلغت الإجماعاتُ مِنْ هذا النَّوعِ (٤) إجماعاتٍ.


(١) سيأتي مزيدُ بيانٍ لها في مبحثِ: ضوابطِ الاستدلالِ بأقوالِ السَّلفِ على المعاني.
(٢) جامع البيان ١/ ٢٩٨. وينظر: ٣/ ٧١٥، ٨/ ١٣٤، ١١/ ٣٦٧.

<<  <   >  >>