حاديَ عشر: دلالَةُ العادةِ المطَّردةِ في مثلِ ذلك، قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «التَّفسيرُ الثّابتُ عن الصَّحابةِ والتّابعين إنَّما قبلوه لأنَّهم قد علموا أن الصَّحابةَ بلَّغوا عن النَّبي ﷺ لفظَ القرآنِ ومعانيه جميعاً، كما ثبتَ ذلك عنهم، مع أنَّ هذا مما يُعلَمُ بالضَّرورةِ عن عادتِهم؛ فإن الرَّجلَ لو صنَّفَ كتابَ علمٍ في طبٍّ أو حسابٍ أو غيرِ ذلك، وحفظَه تلامذتُه، لكانَ يُعلَمُ بالاضْطرارِ أنَّ هِمَمَهم تَشوَّقُ إلى فهمِ كلامِه ومعرفةِ مُرادِه، وأنَّ بمجرَّدِ حفظِ الحروفِ لا تكتفي به القلوبُ، فكيف بكتابِ الله الذي أمرَ ببيانِه لهم، وهو عصمتُهم، وهداهُم، وبه فرَقَ اللهُ بين الحقِّ والباطلِ، والهدى والضَّلالِ، والرَّشادِ والغيِّ، وقد أمرَهم بالإيمانِ بما أخبرَ به فيه، والعملِ بما فيه، وهم يتلقَّونَه شيئاً بعد شيءٍ، كما قالَ تعالى ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان: ٣٢] الآية، وقالَ تعالى ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦]، وهل يتوهَّمُ عاقلٌ أنَّهم كانوا إنَّما يأخذون مِنه مجرَّدَ حروفِه وهم لا يفقهون ما يتلوه عليهم، ولا ما يقرؤونَه، ولا تشتاقُ نفوسُهم إلى فهمِ هذا القَولِ، ولا يسألونَه عن ذلك، ولا يبتدئُ هوَ بيانَه لهم!! هذا ممّا يُعلَمُ بُطلانُه أعظمَ ممّا يُعلَمُ بطلانُ كتمانِهم ما تتوفَّرُ الهممُ