للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدَّواعي على نقلِه» (١)، وقالَ: «بل مِنْ المَعلومِ أنَّ رغبةَ الرَّسولِ في تعريفِهم معاني القرآنِ أعظمُ مِنْ رغبتِه في تعريفِهم حروفَه؛ فإنَّ معرفةَ الحروفِ بدونِ المعاني لا تُحصِّلُ المقصودَ، إذ اللفظُ إنَّما يُرادُ للمعنى» (٢).

ثانيَ عشر: أنَّ ذلك هو مقتضى الفِطرةَ، قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «مِنْ المُحالِ أن تكونَ القرونُ الفاضلةُ؛ القرنُ الذي بُعِثَ فيه رسولُ الله ، ثمَّ الذين يَلونَهم، ثمَّ الذين يَلونَهم، كانوا غيرَ عالِمين وغيرَ قائِلين في هذا البابِ بالحقِّ المُبينِ؛ لأنَّ ضدَّ ذلك إمّا عدمُ العلمِ والقولِ، وإما اعتقادُ نقيضِ الحقِّ، وقولِ خلافِ الصِّدقِ، وكلاهُما مُمتنعٌ؛ أمّا الأوَّل: فلأنَّ مَنْ في قلبِه أدنى حياةٍ، وطلبٍ للعلمِ، أو نَهمَةٍ في العبادةِ يكونُ البحثُ عن هذا البابِ، والسؤالُ عنه، ومعرفةُ الحقِّ فيه أكبرَ مقاصدِه، وأعظمَ مطالبِه .. ؛ وليست النفوسُ الصَّحيحةُ إلى شيءٍ أشوقَ مِنها إلى معرفةِ هذا الأمرِ، وهذا أمرٌ معلومٌ بالفِطرةِ الوَجْديَّةِ، فكيف يُتصوَّرُ مع قيامِ هذا المُقتضي -الذي هو مِنْ أقوى المُقتضياتِ- أن يتخلفَّ عنه مُقتضاه في أولئك السادةِ، في مجموعِ عصورِهم، هذا لا يكادُ يقعُ في أَبلَدِ الخلقِ، وأشدِّهم إعراضاً عن الله، وأعظمِهم إكباباً على طلبِ الدُّنيا، والغفلةِ عن ذكر الله تعالى، فكيفَ يقعُ في أولئك! وأمّا كونُهم كانوا مُعتقدين فيه غيرَ الحقِّ أو قائليه، فهذا لا يعتقدُه مسلمٌ، ولا عاقلٌ عرفَ حالَ القَومِ» (٣).


(١) بغية المرتاد (ص: ٣٣٠).
(٢) مجموع الفتاوى ٥/ ١٥٧.
(٣) مجموع الفتاوى ٥/ ٧.

<<  <   >  >>