للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«عرضتُ القرآنَ على ابنِ عبّاسٍ ثلاثَ عرَضاتٍ، أوقِفُه عند كُلِّ آيةٍ منه، وأسألُه عنها» (١)، كما كتبَ عنه التفسيرَ كاملاً، قالَ ابنُ أبي مُلَيْكة (ت: ١١٧): «رأيتُ مُجاهداً يسألُ ابنَ عبّاسٍ عن تفسيرِ القرآنِ ومعه ألواحُه، فيقولُ له ابنُ عباسٍ: اكتُبْ. قالَ: حتى سأَلَه عن التّفسيرِ كُلِّه» (٢)، وقالَ أبو الجَوزاءِ (ت: ٨٣): «أقمتُ مع ابنِ عبّاسٍ وعائشةَ اثنتَيْ عشرةَ سنةً، ليس مِنْ القرآنِ آيةٌ إلا سألتُهم عنها» (٣)، وقالَ الشّعبيُّ (ت: ١٠٤): «والله ما مِنْ آيةٍ إلا قد سألتُ عنها» (٤).

رابعَ عشر: أنَّ أئِمَّةَ الإسلامِ لم يزالوا على القَولِ بحجّيَّةِ أقوالِ السَّلفِ، والاستدلالِ بها قبولاً وردّاً، ولم يُخالفْ في ذلك إلا شُذوذٌ من الفقهاءِ والمتكلِّمين (٥)؛ فقد قرَّرَ جمهورُ العلماءِ أنَّ الصَّحابةَ إذا اختلفوا على قَولَيْن أو أكثرَ فلا يجوزُ لمن بعدَهم إحداثُ قولٍ ثالثٍ مُخالفٍ؛ لأمرَيْن:

أوَّلُهما: أنَّ اختلافَهم على قَولَيْن بمثابةِ اتِّفاقِهم على قولٍ واحدٍ في أنَّ الحقَّ في أحدِهما، ومن ثَمَّ أُلحِقَتْ هذه المسألةُ في كُتبِ الأصولِ


(١) جامع البيان ١/ ٨٥، وتذكرة الحفّاظ، للقيسراني ٢/ ٧٠٦.
(٢) جامع البيان ١/ ٨٥.
(٣) التاريخ الكبير ٢/ ١٦، والثّقات، لابن حبّان ٤/ ٤.
(٤) جامع البيان ١/ ٨١. ومِمّا بلغَنا ممّن فسَّرَ القرآنَ كاملاً مِنْ السَّلفِ: الضَّحاكُ بن مزاحم (ت: ١٠٥)، كما في الجرح والتعديل ٣/ ٣١٩، ومقاتُل بن سليمان (ت: ١٥٠)، وتفسيرُه مطبوعٌ، ويحيى بن سلّام (ت: ٢٠٠)، وقد طُبعَ بعضُ تفسيرِه.
(٥) ينظر: المستصفى ١/ ١٩٢، والمسوَّدة ٢/ ٦٣٤، والآراء الشّاذَّة في أصول الفقه ١/ ٤٥٩.

<<  <   >  >>