للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لو أسندَتْ مَيْتاً إلى نحرِها … عاشَ ولم يُنقَلْ إلى قابِرِ

فإنْ جعلتَ له مكاناً يُقبَرُ فيه قُلتَ: أقْبَرْتُه؛ قالَ الله تعالى ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ [عبس: ٢١]. قُلنا: ولولا أنَّ العلماءَ تجوَّزوا في هذا لَما رأَيْنا أن يُجمَعَ بين قَولِ الله وبين الشِّعرِ في كتابٍ، فكيفَ في ورقةٍ أو صفحةٍ؛ ولكنّا اقتدينا بهم، والله تعالى يغفرُ لنا، ويعفو عنّا وعنهم» (١)، فذلك رأيٌ خاصٌّ للواحدِ في نفسِه، ولا يُقضى به على مناهجِ العلومِ، وهو ما يُفهمُ مِنْ نصِّ ابنِ فارسٍ (ت: ٣٩٥) على أنَّها عادةُ العلماءِ، وأنَّهم قدوتُه في ذلك، وأنَّه لهم تبعٌ، وإن كانَ رأيُه التورُّعُ عن ذلك.

وقد أجابَ ابنُ الأنباريّ (٢) (ت: ٣٢٨) عمّا أُنكِرَ على بعضِ النَّحويّين مِنْ ذلك، فقالَ بعدَ أن أَوردَ كثيراً مِنْ استشهاداتِ السَّلفِ بالشِّعرِ على التَّفسيرِ: «وهذا كثيرٌ في الحديثِ عن الصَّحابةِ والتّابعين إلا أنّا نجتزئُ بما ذكَرْنا كراهيةً لتطويلِ الكتابِ، وإنَّما دعانا إلى ذكرِ هذا أنَّ جماعةً لا علمَ لهم بحديثِ رسولِ الله ، ولا معرفةَ لهم بلغةِ العربِ، أنكروا على النَّحويّين احتجاجَهم على القرآنِ بالشِّعرِ، وقالوا: إذا فعلتُم ذلك جعلتُم الشِّعرَ أصلاً للقرآنِ» (٣)، ثُمَّ أجابَ عن ذلك بقولِه: «فأمّا ما ادَّعَوه على النَّحويّين مِنْ أنَّهم جعلوا الشِّعرَ أصلاً للقرآنِ، فليس كذلك،


(١) مقاييس اللغة ٢/ ٣٨١. وينظر: الصّاحبي (ص: ٣٤).
(٢) محمد بن القاسم بن محمد الأنباري، أبو بكر، لُغويٌّ أديبٌ آيةٌ في الحفظِ، صنَّفَ: إيضاح الوقف والابتداء، والأضداد، وغيرها، مات سنة (٣٢٨). ينظر: نزهة الألباء (ص: ٢٣١)، وإنباه الرّواة ٣/ ٢٠١.
(٣) إيضاح الوقف والابتداء (ص: ٧٤).

<<  <   >  >>