للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصلحةَ إيرادِه تعلو دائِماً على ما في معناه، ولسنا مُضطرّين -بعدَ بيانِ منهجِه- إلى التَّصريحِ بنقلِ شيءٍ ممّا أوردَ مِنْ ذلك، وحسبُنا الإشارةُ إلى مواضعَ مِنْ الأمثلةِ: فمِنها ما أوردَه شاهداً لمعنى (الإعصارِ) عند قولِه تعالى ﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ﴾ [البقرة: ٢٦٦] (١)، وأعادَه شاهداً لمعنى (التَّبذيرِ) عند قولِه تعالى ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ [الإسراء: ٢٦] (٢)، وكذا ما أَوردَه شاهداً لمعنى (يَخِرُّ) في قولِه تعالى ﴿لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان: ٧٣] (٣).

عاشراً: ما وردَ في الشِّعرِ على وجهِ الضَّرورةِ لا يُقاسُ عليه، وعِلَّةُ تخصيصِ الشِّعرِ بذلك ما يخضعُ له الشَّاعرُ مِنْ أحكامِ الوَزنِ والقوافي، ولأنَّه موضِعٌ أُلِفَت فيه الضَّرائرُ، «فالشِّعرُ موضِعُ اضْطرارٍ، وموقِفُ اعتذارٍ، وكثيراً ما يُحرَّفُ فيه الكَلِمُ عن أبنيَتِه، وتُحالُ فيه المُثلُ عن أَوضاعِ صيَغِها لأجْلِه» (٤)، ولأجلِ ذلك «يُغتفرُ في الشِّعرِ ما لا يُغتفَرُ في غَيْرِه» (٥)، قالَ الخليلُ بن أحمد (٦) (ت: ١٧٠): «الشُّعراءُ أُمراءُ الكلامِ، يصرفونَه أنّى شاءوا، ويجوزُ لهم ما لا يجوزُ لغيرِهم مِنْ إطلاقِ المعنى وتقييدِه، ومِن تصريفِ اللفظِ وتعقيدِه، ومدِّ المقصورِ، وقصرِ الممْدودِ، والجمعِ بين لُغاتِه، والتَّفريقِ بين صِفاتِه، واستخراجِ ما كلَّت الألسُنُ


(١) جامع البيان ٤/ ٦٩٠.
(٢) جامع البيان ١٤/ ٥٦٥.
(٣) جامع البيان ١٧/ ٥٢٨. وينظر: ٢/ ١١٩، ٣/ ٢٣١.
(٤) الخصائص ٢/ ٤٠٤. وينظر: ضرائر الشعر، لابن عصفور (ص: ١٣).
(٥) همع الهوامع ٢/ ١٥٠.
(٦) الخليلُ بن أحمد بن عمرو الفراهيديّ الأزديّ، ذكيٌّ شاعرٌ عالمٌ بالنَّحوِ، واضعُ علم العروض، وله كتابَ العَيْن، مات سنة (١٧٠). ينظر: مراتب النَّحويّين (ص: ٤٥)، وطبقات النَّحويّين واللُّغويّين (ص: ٤٧).

<<  <   >  >>