للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن وَصْفِه ونَعْتِه، والأذهانُ عن فهمِه وإيضاحِه، فيُقرِّبون البعيدَ، ويُبعِّدون القريبَ، ويُحتجُّ بهم، ولا يُحتجُّ عليهم» (١).

والمُرادُ بالضَّرورةِ في بابِ الشِّعرِ: الخروجُ عن الأصولِ المُطَّردةِ مِنْ كلامِ العربِ إلى دونِها ممّا تكلَّموا به في الشِّعرِ خاصَّةً (٢). وذلك شبيهُ المعنى ب (الشُّذوذِ) في بابِ النَّثرِ؛ إذْ كِلاهُما خروجٌ عمّا اطَّردَ مِنْ كلامِ العربِ لعِلَّةٍ مِنْ سماعٍ أو قياسٍ.

وحُكمُهما واحدٌ، وهو: الاعتصامُ بالأصولِ، وحفظُ ما خالَفَها، مع عدمِ القياسِ عليها. وذلك ما اتَّفقتْ عليه كلمةُ أهلِ اللُّغةِ؛ ومِن مقولاتِهم في ذلك: «اعلمْ أنَّه يجوزُ في الشِّعرِ ما لا يجوزُ في الكلامِ» (٣)، و «ما جاءَ لضرورةِ الشِّعرِ لا يورِدُ نقضاً» (٤)، و «الضَّرورةُ ليست موضِعَ احتجاجٍ» (٥).

ومِن ثَمَّ فإنَّ النُّحاةَ لم يُقيموا أيَّةَ قاعدةٍ أصليَّةٍ على ضرورةٍ شِعريَّةٍ، مهما كانَت الثِّقةُ كبيرةً بفصاحةِ الشَّاعرِ؛ «لأنَّ الشَّاعرَ قد يضطرُّ فيقولُ


(١) منهاج البلغاء (ص: ١٤٣).
(٢) جُمهورُ أهلِ اللُّغةِ -ومِنهم سيبويه- لا يُفرِّقون بين ما يَلجأُ إليه الشَّاعرُ وله عنه مندوحةٌ، وما ليس كذلك، وخالفَ بعضُ النُّحاةِ -كابنِ مالكٍ (ت: ٦٧٢) - وقصرَ الضَّرورةَ على ما ليس للشَّاعرِ عنه مَندوحة. والصَّوابُ الأوَّلُ؛ إذْ ما مِنْ تركيبٍ إلا ويُمكنُ استبدالُه بتَركيبٍ آخر. ينظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي ١/ ٢٧٣، وخزانة الأدب ١/ ٣١، ٣٣، وسيبويه والضرورة الشعرية (ص: ٣٥).
(٣) الكتاب ١/ ٥٣. وينظر: ٢/ ٣٨٤.
(٤) أسرارُ العربية، لابن الأنباري (ص: ١٣٠)، ومُرادُه: لا ينقضُ القواعدَ. كما في سياقِ كلامِه.
(٥) شرح المفصّل، لابن يعيش ١/ ٥١.

<<  <   >  >>