للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه ما لا يقولُه في كلامِه» (١)، إلا إن عضدَه مِنْ النَّثرِ ما يرفعُه عن مقامِ الاضطرارِ (٢).

ويُتنبَّه هنا إلى أنَّه ليس مِنْ الضَّرورةِ الكلامُ بما لا يجوزُ في العربيَّةِ بوَجه؛ لأنَّ الضَّرورةَ -كما سبقَ- خروجٌ عن أصلٍ مُطَّردٍ معمولٍ به، إلى أصلٍ آخرَ دونَه، فليس في ذلك خروجٌ عن نِظامِ العربيَّةِ بحالٍ، قالَ ابنُ فارس (ت: ٣٩٥): «الشُّعراءُ أُمراءُ الكلامِ؛ يقصرون الممدودَ، ويمدّون المَقصورَ، ويُقدِّمون ويؤخِّرون، ويومِئون ويُشيرون، ويختلسون، ويُعيرون ويَستَعيرون. فأمّا لحنٌ في إعرابٍ، أو إزالةٌ عن نهجِ صوابٍ، فليس لهم ذلك، ولا معنى لقولِ مَنْ يقولُ: إنَّ للشَّاعرِ أن يأتيَ في شِعرِه بما لا يجوزُ .. ، وما جعلَ الله الشُّعراءَ معصومين يُوَقَّوْن الخَطأَ والغَلطَ، فما صحَّ مِنْ شِعرِهم فمَقبولٌ، وما أَبَته العربيَّةُ وأصولُها فمَردودٌ» (٣)، كما أنَّ الضَّروراتِ سماعيَّةٌ موقوفةٌ على النَّقلِ، فلا يصحُّ للمولَّدين فمَن بعدَهم أن يبتدِعوا ضرورةً لم يرِدْ بها سماعٌ، وإن جازَ لهم مِنها ما جازَ لمَن قبلَهم (٤)، قالَ الآلوسيّ (ت: ١٢٧٠): «ليس لأحدٍ مِنْ المولَّدين أن يسلُك غيرَ مسلكٍ سلكوه، ولا أن يبتدعَ أُسلوباً غيرَ أُسلوبٍ عرفوه، فلا مساغَ لأحدٍ أن يضطرَّ إلى غيرِ ما اضطرّوا إليه، أو يُخالفَهم في أصلٍ مضَوا عليه» (٥).


(١) البسيط في شرح جُملِ الزَّجَاجي (ص: ٩٩٩). وينظر: (ص: ١٠٢٤).
(٢) اختلفوا في مقدارِ النَّثرِ الذي يرتفعُ به حُكمُ الاضطرارِ. ينظر لذلك: ضوابط الفكر النحوي ١/ ٤٩٨.
(٣) الصّاحبي (ص: ٢١٣). وينظر: الكتاب ٢/ ٤٠٦، والمقتضب ٣/ ٣٥٤.
(٤) ينظر: الخصائص ١/ ٣٢٦، ٣٢٩.
(٥) الضرائر (ص: ٩).

<<  <   >  >>