للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثّالثُ: أن يكونَ مُمكِناً عقلاً، غيرَ مُستَحيلٍ وُقوعِه، وقد نبَّه قولُه تعالى ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [الكهف: ٢٢]، إلى أنَّ للعَقلِ مَدخلًا في مَعرفةِ صوابِ تلك الأخبارِ مِنْ خطئِها، وما يُقبَلُ مِنها وما يُرَدُّ، قالَ ابنُ عباسٍ : «أنا مِنْ القَليلِ؛ كانوا سبعةً وثامنُهم كلبُهم» (١)؛ وذلك أنَّه سكتَ عن العدَدِ الثَّالثِ، ولم يُبطِلْه كما أبطلَ الأوَّلَيْن. وهذا إنَّما يُعلَمُ بطريقِ العقلِ. (٢)

وقد نَصَّ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) على تلك الشُّروطِ في قولِه تعالى ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا﴾ [البقرة: ٣٦]، فقالَ: «فأمّا سببُ وصولِه إلى الجنَّةِ حتى كلَّمَ آدمَ بعد أن أخرجَه الله مِنها وطردَه عنها، فليس فيما رُويَ عن ابنِ عباسٍ ووَهبِ بن مُنبِّهٍ في ذلك معنىً يجوزُ لذي فَهمٍ مُدافعتُه؛ إذْ كانَ ذلك قولاً لا يدفَعُه عقلٌ، ولا خبرَ يلزَمُ تصديقُه مِنْ حُجَّةٍ بخلافِه، وهو مِنْ الأُمورِ المُمكِنةِ. فالقَولُ في ذلك أنَّه قد وصلَ إلى خطابِهما على ما أخبرَنا الله تعالى ذِكرُه، ومُمكِنٌ أن يكونَ وصلَ إلى ذلك بنحوِ الذي قالَه المُتأوِّلون، بل ذلك -إن شاءَ الله- كذلك؛ لتتابُعِ أقوالِ أهلِ التأويلِ على تَصحيحِ ذلك، وإن كانَ ابنُ إسحاقَ قد قالَ في ذلك .. : الله أعلمُ، أكَما قالَ ابنُ عباسٍ وأهلُ التَّوراةِ، أم خلَصَ إلى آدمَ وزوجتِه بسُلطانِه الذي جعلَ الله له ليَبتليَ به آدمَ وذُرّيَّتَه؟ وأنَّه يأتي ابنَ آدمَ في نومتِه ويقَظَتِه، وفي كلِّ حالٍ مِنْ أحوالِه حتى يَخلُصَ إلى ما أرادَ مِنه


(١) جامع البيان ١٥/ ٢١٩.
(٢) مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٦٧.

<<  <   >  >>