للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَقطوعاً به؛ وذلك لموافقتِه شرعَنا، وإمّا أن يكونَ مُحتمِلاً، وذلك فيما لم يُبطِله شرعُنا، وكلاهما في دائرَةِ القَبولِ؛ أمّا الأوَّلُ فلازِمُ التَّصديقِ؛ لأنَّه حَقٌّ صريحٌ، وأمّا الآخرُ فيُعتبرُ به؛ لاحتمالِ صِدقِه، وعدمِ الدَّليلِ على كَذِبِه. وكلاهما يشتركان في عدمِ الدَّليلِ على البُطلانِ كما هو ظاهرٌ. وذلك هو الشَّأنُ في بابِ الأخبارِ والتَّواريخِ عموماً، قالَ الشّافعيُّ (ت: ٢٠٤) في قولِه : «حَدِّثوا عن بني إسرائيلَ ولا حرَجَ .. » (١): «المَعنى: حدِّثوا عن بني إسرائيلَ بما لا تعلمون كَذِبَه، وأمّا ما تُجوِّزونَه فلا حرجَ عليكم في التَّحدُّثِ به عنهم» (٢)، وقالَ ابنُ كثيرٍ (ت: ٧٧٤): «هو محمولٌ على الإسرائيليّاتِ المَسكوتِ عنها عندنا، فليس عندنا ما يُصَدِّقها ولا ما يُكذِّبها، فيجوزُ روايتُها للاعتبارِ، وهذا هو الذي نستَعمِلُه في كِتابِنا هذا، فأمّا ما شَهِدَ له شَرعُنا بالصِّدقِ فلا حاجةَ بنا إليه؛ استغناءً بما عندنا، وما شَهِدَ له شرعُنا مِنها بالبُطلانِ فذاك مردودٌ لا يجوزُ حكايتُه إلّا على سبيلِ الإنكارِ والإبطالِ» (٣).

ثامناً: لا يُلتفَتُ إلى أسانيدِ الأخبارِ الإسرائيليَّةِ أو أحوالِ رُواتِها، وعلى هذا سارَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في تفسيرِه، وقد بيَّنَ ابنُ تيميّةَ (ت: ٧٢٨) عِلَّةَ ذلك فقالَ: «عُلماءُ الدِّينِ أكثرَ ما يُحرِّرون النَّقلَ فيما يُنقلُ عن النَّبيِّ ؛ لأنَّه واجِبُ القَبولِ، أو فيما يُنقَلُ عن الصَّحابةِ، وأمّا ما يُنقَلُ مِنْ الإسرائيليّاتِ ونَحوِها فهم لا يَكتَرثون بضَبطِها، ولا بأحوالِ نَقْلِها؛ لأنَّ أصلَها غيرُ مَعلومٍ، وغايتَها أن تكونَ


(١) سبقَ تخريجُه (ص: ٤٤٧).
(٢) فتح الباري ٦/ ٥٧٥.
(٣) البداية والنهاية ١/ ٢٩.

<<  <   >  >>