للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآيةَ بحسبِ ظاهرِ لفظِها، ثُمَّ قالَ: «ذِكرُ مَنْ قالَ ذلك، وذِكرُ السَّببِ الذي مِنْ أَجلِه ذُكرَ أنَّهم بُعِثوا مِنْ رَقدَتِهم حين بُعِثوا مِنها» (١)، ثُمَّ أوردَ أخباراً طِوالاً في تفاصيلِ قِصَّتِهم؛ مُستدلّاً بها على مُجملِ المَعنى الذي ذكرَه. ومِثلُ ذلك قولُه: «اختلفَ أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه ﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٤٣]، فقالَ بعضُهم: في العدَدِ، بمعنى جِماعِ (أَلفٍ)» (٢)، ثُمَّ أوردَ تفاصيلَ أعدادِهم عن جماعةٍ مِنْ السَّلفِ؛ فذكروا: ثلاثةَ آلافٍ، وأربعةَ آلافٍ، وبضعةً وثلاثين ألفاً، ومِنهم مَنْ قالَ: هُمْ أُلوفٌ. وأجمَلَ. ثُمَّ قالَ بعد ذلك: «وأَولى القَولَيْن في تأويلِ قولِه ﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: ٢٤٣] بالصَّوابِ، قَولُ مَنْ قالَ: عنى بالأُلوفِ كثرةَ العدَدِ. دون قَولِ مَنْ قالَ: عنى به الائتِلافَ. بمعنى ائتِلافِ قلوبِهم، وأنَّهم خرجوا مِنْ ديارِهم مِنْ غيرِ افتراقٍ كانَ مِنهم ولا تباغُضٍ، ولكن فِراراً؛ إمّا مِنْ الجِهادِ، وإمّا مِنْ الطّاعونِ؛ لإجماعِ الحُجَّةِ على أنَّ ذلك تأويلُ الآيةِ، ولا يُعارَضُ بالقَولِ الشّاذِّ ما استفاضَ به القَولُ مِنْ الصَّحابةِ والتّابعين» (٣)، وظاهرٌ مِنْ منهجِه ذلك استدلالُه بمُطلَقِ أقوالِ السَّلفِ على ما يختارُه مِنْ المعاني.

عاشراً: الاستدلالُ ببَعضِ الخبرِ الإسرائيليّ لا يستلزِمُ صِحَّةَ باقيه، فابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) يَقصِدُ في بعضِ الأخبارِ إلى الاستشهادِ بجُزءٍ منها دونَ باقيها مِمّا قد يشتَملُ على نكارَةٍ في تفاصيلِها، ومِن شواهدِ ذلك قولُه في قولِه تعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢]: «العالَمون جَمعُ


(١) جامع البيان ١٥/ ١٩٦.
(٢) جامع البيان ٤/ ٤١٣.
(٣) جامع البيان ٤/ ٤٢٣. وينظر: ٢/ ٣٤٠، ١٠/ ٣٥٦، ١٣/ ٢٩.

<<  <   >  >>