للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله تعالى، وسُنَّةَ رسولِه ، مِنْ الاختلافِ والاضطرابِ والتَّعارضِ، فقالَ: «وفي نَفيِ الله جلَّ ثناؤُه ذلك عن حُكمِ كتابِه أَوضحُ الدَّليلِ على أنَّه لم يُنزِّلْ كتابَه على لسانِ محمَّدٍ إلا بحُكمٍ واحدٍ مُتَّفقٍ في جميعِ خلقِه، لا بأحكامٍ فيهم مُختلفةٍ .. ، مع أنَّ في قيامِ الحُجَّةِ بأنَّ النَّبيَّ لم يَقضِ في شيءٍ واحدٍ في وَقتٍ واحدٍ بحُكمَيْن مُختلفَيْن ولا أَذِنَ بذلك لأمَّتِه = ما يُغني عن الإكثارِ في الدَّلالةِ على أنَّ ذلك مَنفيٌّ عن كتابِ الله» (١).

كما أشارَ إلى أنَّ ظَنَّ التَّعارضِ بين الأدلَّةِ في واقعِ الأمرِ مِنْ شأنِ أهلِ الجَهلِ، فقالَ: «فقد تَبيَّن إذن بما قُلنا صِحَّةُ معنى الخبرَين .. ، وأنْ ليسَ أحدُهُما دافعاً صِحَّةَ معنى الآخرِ كما ظَنَّهُ بعضُ الجُهَّالِ. وغيرُ جائِزٍ في أخبارِ رسول الله أن يكون بعضُها دافعاً بعضاً إذا ثَبَتَ صِحَّتُها» (٢).

خامساً: يُقرِّرُ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) -عند ظَنِّ التَّعارُضِ- لزومَ جَمعِ الدَّليلَين؛ بتوجيهِ كُلٍّ منهما إلى معنىً صحيحٍ لا يُعارضُ دليلاً، كما في قولِه: «فإذْ كان كِلا الخَبرَين صحيحاً مَخرَجُهُما، فواجِبٌ التَّصديقُ بهما، وتوجيهُ كُلِّ واحِدٍ منهُما إلى الصَّحيحِ مِنْ وَجهٍ» (٣)، ومعنى وجوبِ التَّصديقِ بهما: إعمالُهما وعدمُ إهمالِهما، أو إهمالِ أحدِهما. وذلك بالجَمعِ بينهما على ذلك النَّهجِ. وأكَّدَ ذلك وفصَّلَه في قولِه: «فإذا


(١) جامع البيان ١/ ٤٤. وينظر: ٩/ ٤٦٦ - ٤٦٨.
(٢) جامع البيان ٢/ ٥٤٣.
(٣) جامع البيان ٨/ ٧٤٨.

<<  <   >  >>