للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان الخبران اللذان ذكرناهُما عنه صحيحَيْن، كان غيرَ جائزٍ إلا أن يكون أحدُهُما مُجمَلاً، والآخَرُ مُفسَّراً؛ إذ كانت أخبارُه يُصَدِّقُ بعضُها بعضاً» (١)، وهذا الإجمالُ والتَّفسيرُ يتبيَّنُ بحملِ تلك الأدلَّةِ على العمومِ والخصوصِ، أو الإطلاقِ والتَّقييدِ، ونحوِ ذلك.

فلا يَرُدُّ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) دليلاً يُمكنُ إعمالُه ولو بوَجهٍ، بل يقبلُ جميعَ الأدلَّةِ على وجهٍ تَجتمعُ به بلا تخالُفَ، وقد نصَّ على ذلك في قولِه: «وليست إحدى الآيتَيْن دافعاً حُكمُها حُكمَ الأُخرى، بل إحداهما مُبيِّنةٌ حُكمَ الأُخرى، وإنَّما تكونُ إحداهما دافعةً حُكمَ الأُخرى لو لم يكُنْ جائِزاً اجتماعُ حُكمُيْهما على صِحَّةٍ، فأمّا وهما جائِزٌ اجتماعُ حُكمَيْهما على الصِحَّةِ فغيرُ جائِزٍ أن يُحكمَ لإحداهما بأنَّها دافعةٌ حُكمَ الأُخرى إلا بحُجَّةٍ يجبُ التَّسليمُ لها مِنْ خبرٍ أو قياسٍ، ولا خبرَ بذلك ولا قياسَ، والآيةُ مُحتملةٌ ما قُلنا» (٢)، وهذا كقولِ الشّافعي (ت: ٢٠٤): «ولَزمَ أهلَ العلمِ أن يُمضوا الخَبرَيْن على وُجوهِهما ما وجدوا لإمضائِهما وَجهاً، ولا يعدّونَهما مُختلفَيْن وهما يَحتملان أن يُمضَيا، وذلك إذا أمكنَ فيهما أن يُمضيا معاً، أو وُجدَ السَّبيلُ إلى إمضائِهما، ولم يكُنْ مِنهما واحِدٌ بأَوجبَ مِنْ الآخرِ» (٣).

وذلك مُطابقٌ لما قرَّرَه العلماءُ مِنْ أنَّ: إعمالَ الدَّليلَيْن أَولى مِنْ إهمالِهما أو إهمالِ أحدِهما. «وبه قالَ الفُقهاءُ جميعاً» (٤)، قالَ


(١) جامع البيان ٧/ ٣٦.
(٢) جامع البيان ٦/ ٦٠١.
(٣) الرِّسالة (ص: ٣٤١).
(٤) إرشاد الفحول (ص: ٤٥٩)، وينظر: الإحكام، لابن حزم ١/ ١٦١.

<<  <   >  >>