للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣٤]، مع إباحةِ جمعِ المالِ مِنْ حِلِّه، وإيجابِ الزَّكاةِ فيه، ولا تجبُ الزَّكاةُ ولا تُخرَجُ إلا مِنْ مالٍ مَجموعٍ، حيث جمعَ بين ذلك بأنَّ عمومَ الآيةِ مخصوصٌ بما لم تُؤَدَّ زكاتُه، وساقَ الأدلَّةَ على ذلك، وقالَ: «وفيما بيَّنّا مِنْ ذلك البيانُ الواضحُ على أنَّ الآيةَ لخاصٍّ .. ؛ وإنَّما قُلنا ذلك على الخُصوصِ لأنَّ الكَنزَ في كلامِ العربِ كُلُّ شيءٍ مجموعٌ بعضُه على بعضٍ، في بطنِ الأرضِ كانَ أو على ظاهرِها، يدُلُّ على ذلك قولُ الشّاعرِ (١):

لا دَرَّ دَرّيَ إن أطعَمتُ نازلَهم … قِرْفَ الحَتيِّ وعِندي البُرُّ مَكنوزُ (٢)

يعني بذلك: وعندي البُرُّ مجموعٌ بعضُه على بعضٍ. وكذلك تقولُ العربُ للبَدَنِ المُجتمعِ: مُكتَنِزٌ؛ لانضِمامِ بعضِه إلى بعضٍ. وإذا كانَ ذلك معنى الكَنزِ عندهم، وكانَ قولُه ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ [التوبة: ٣٤] معناه: والذين يَجمعون الذَّهبَ والفِضَّةَ بعضَها إلى بعضٍ ولا يُنفقونَها في سبيلِ الله. وهو عامٌّ في التَّلاوةِ، ولم يكُنْ في الآيةِ بيانُ كم ذلك القَدرُ مِنْ الذَّهبِ والفِضَّةِ الذي إذا جُمعَ بعضُه إلى بعضٍ استحقَّ الوَعيدَ = كانَ معلوماً أنَّ خُصوصَ ذلك إنَّما أُدرِكَ لوَقفِ الرَّسولِ عليه، وذلك كما بيَّنّا مِنْ أنَّه المالُ الذي لم يُؤَدَّ حَقُّ الله مِنه مِنْ الزَّكاةِ دون غَيرِه؛ لِما قد أَوضَحنا مِنْ الدَّلالةِ على صِحَّتِه» (٣).


(١) هو المُنتخِلُ الهُذلي، كما في شرحِ ديوان الهُذليّين ٣/ ١٢٦٣.
(٢) يقولُ: لا رُزِقتُ الدُّرَّ -يقولُه لنَفسِه كالهازِئِ- إن مَنعتُ جَيِّدَ مالي عن ضَيْفي، وأطعَمتُهم رديئَه. وقِرفُ كلِّ شيءٍ قِشرُه. والحَتيِّ: رديءُ المُقلُ. ينظر: جمهرة اللغة ١/ ٦٧، ٣٨٨، والقاموس المحيط (ص: ١١٤٥).
(٣) جامع البيان ٨/ ٤٣٢.

<<  <   >  >>