للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودفعَ التَّعارضَ بتقريرِ النَّسخِ بدليلِه عند قولِه تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٧]، فقالَ: «والصَّوابُ مِنْ القَولِ في ذلك ما قالَه عطاءُ بن مَيْسرةَ (١)، مِنْ أنَّ النَّهيَ عن قتالِ المشركين في الأشهرِ الحُرُمِ مَنسوخٌ بقولِ الله جلَّ ثناؤُه ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦]؛ وإنَّما قُلنا ذلك ناسِخٌ لقولِه ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٧] لتظاهرِ الأخبارِ عن رسولِ الله أنَّه غزا هوازنَ بحُنَيْنٍ، وثقيفاً بالطّائفِ، وأرسلَ أبا عامرٍ إلى أَوْطاسٍ لحَربِ مَنْ بها مِنْ المشركين في بعضِ الأشهرِ الحُرُمِ، وذلك في شوّالٍ وبعضِ ذي القَعدَةِ، وهما مِنْ الأشهرِ الحُرُمِ، فكانَ مَعلوماً بذلك أنَّه لو كانَ القتالُ فيهنَّ حراماً وفيه مَعصيةٌ، كانَ أبعدَ النّاسِ مِنْ فِعلِه . وأُخرى أنَّ جميعَ أهلِ العلمِ بسِيَرِ رسولِ الله لا تتدافعُ أنَّ بيعةَ الرِّضوان على قتالِ قريشٍ كانَت في ذي القَعدَةِ، وأنَّه إنَّما دعا أصحابَه إليها يومئِذٍ .. ، فإذْ كانَ ذلك كذلك فبَيِّنٌ صِحَّةَ ما قُلنا في قولِه ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٧]، وأنَّه مَنسوخٌ» (٢)، كما جمعَ بطريقِ النَّسخِ بين دليلَيْ القرآنِ والإجماعِ في قولِه: «وأَولى الأقوالِ في ذلك بالصِّحَّةِ قَولُ مَنْ قالَ: نسخَ الله مِنْ هذه الآيةِ قَولَه ﴿وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ


(١) هو عطاء بن أبي مُسلم الخراسانيّ، أبو أيّوب البَلخيّ، نزيلُ الشّام، المُحدِّثُ الواعظُ المُفسِّرُ، مات سنة (١٣٥). ينظر: السّير ٦/ ١٤٠، وتهذيب التّهذيب ٣/ ١٠٨.
(٢) جامع البيان ٣/ ٦٦٣.

<<  <   >  >>