للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن مواضعِه .. ، وهذه طريقٌ يشتركُ فيها جميعُ أهلِ البدعِ الكِبارِ والصِّغارِ، فهي طريقُ الجهميَّةِ، والمعتزلةِ، ومَن دخلَ في التَّأويلِ مِنْ الفلاسفةِ، والباطنيَّةِ، والملاحدةِ» (١)، ولمَّا توافقَ اختيارُ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) مع بعضِ التَّعليلِ الذي لا يرى صوابَه، نبَّه إلى أنَّ مبنى اختيارِه الدَّليلُ، ولم يحْمِلْه عليه ذلك الرأيُ الفاسِدُ، فقالَ: «فأمَّا نحنُ فإنَّما اخترنا ما اخترنا مِنْ التَّأويلِ طلبَ اتِّساقِ الكلامِ على نظامٍ في المعنى، لا إنكارَ أن يكونَ اللهُ تعالى ذِكرُه قد كانَ أنْسى نبيَّه بعضَ ما نَسخَ مِنْ وَحيِه إليه وتنْزيلِه» (٢).

وثالثها: التَّفسيرُ بنوعٍ مِنْ الأدِلَّةِ مع إغفالِ الأدلَّةِ الأُخرى، قالَ القرطبي (ت: ٦٧١): «مَنْ يتسارع إلى تفسيرِ القرآنِ بظاهِرِ العربيَّةِ، مِنْ غيرِ استظهارٍ بالسَّماعِ والنَّقلِ .. كَثُرَ غَلَطُه، ودَخَلَ في زُمرَةِ مَنْ فَسَّرَ القرآنَ بالرَّأي» (٣)، وقالَ النَّووي (ت: ٦٧٦): «ثُمَّ المفسرون برأيهِم مِنْ غيرِ دليلٍ صحيحٍ أقسامٌ .. ، مِنهم مَنْ يُفسِّرُ ألفاظَه العربيَّةَ مِنْ غيرِ وقوفٍ على معانيها عند أهلِها، وهي مِمَّا لا يؤخَذُ إلا بالسَّماعِ مِنْ أهلِ العربيَّةِ وأهلِ التَّفسيرِ .. ، ولا يكفي في ذلك معرفةُ العربيَّةِ وحدَها، بل لا بُدَّ معها مِنْ معرِفةِ ما قالَه أهلُ التَّفسيرِ فيها؛ فقد يكونون مُجتمعينَ على تركِ الظَّاهرِ، أو على إرادةِ الخُصوصِ، أو الإضمارِ، أو غيرِ ذلك مِمَّا هو خِلافُ الظَّاهرِ» (٤)، وقالَ ابنُ


(١) مجموع الفتاوى ١٧/ ٣٥٥. وينظر أيضاً: ١٣/ ٣٥٥، والاعتصام (ص: ١٦٨)، والموافقات ٣/ ٢٩٠.
(٢) جامع البيان ٢/ ٣٩٩.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١/ ٥٨. وينظر: مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٥٥، ٣٦٢.
(٤) التبيان في آداب حَمَلة القرآن (ص: ١٦٧).

<<  <   >  >>