للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عاشور (ت: ١٣٩٣): «مَنْ لا يتدبَّر القرآنَ حقَّ تدبُّره؛ فيفسِّرَه بما يخطرُ له مِنْ بادئ الرَّأي، دون إحاطةٍ بجوانبِ الآيةِ، وموادِّ التَّفسيرِ، مقتصراً على بعضِ الأدِلَّةِ دون بعضٍ؛ كأن يعتمد على ما يبدو مِنْ وجهِ العربيَّةِ فقط .. أو ما يبدو مِنْ ظاهرِ اللغةِ دون استعمالِ العربِ .. فهذا مِنْ الرَّأي المذمومِ لفسادِه» (١).

وكلُّ هذه الأنواعِ مبعثُها الرأيُ والهوى بلا علمٍ، ويشهدُ لتلك المعاني حديثُ جُندُب : أنَّ رسولَ الله قالَ: «مَنْ قالَ في القرآنِ برأيِهِ فأصابَ فقد أخطَأ» (٢)، قالَ الماوردي (ت: ٤٥٠): «معناه: أن مَنْ حملَ القرآنَ على رأيه، ولم يعمَلْ على شواهدِ ألفاظِه، فأصابَ الحقَّ، فقد أخطأَ الدَّليلَ» (٣)؛ وذلك أنَّ الإصابةَ هنا ما كانَت عن علمٍ، ودليلٍ مُعتَبَرٍ، واستيفاءِ نَظَرٍ، فهو وإن أصابَ في النَّتيجةِ مصادفةً، فقد أخطأَ الطريقةَ قَصداً، ولا يُعفِيه صوابُ جوابِه عن المؤاخذةِ بإتيانِ الأمر مِنْ غيرِ بابِه، قالَ الإمامُ الشّافعيّ (ت: ٢٠٤): «ومَن تَكَلَّفَ ما جَهِلَ وما لَم تُثبِتهُ مَعرفَتُهُ، كانَت موافَقَتُه للصَّوابِ -إن وافَقَهُ مِنْ حيث لا يَعرفُه- غيرَ محمودَةٍ، واللُه أعلم، وكانَ بِخَطَئِهِ غيرَ معذورٍ» (٤)، وقالَ ابنُ


(١) التحرير والتنوير ١/ ٣٠.
(٢) أخرجه أبو داود في سننه ٤/ ٢٤١ (٣٦٥٢)، والترمذي في الجامع (ص: ٦٦٣) (٢٩٥٢) ط/ دار السلام، والنسائي في الكبرى ٧/ ٢٨٦ (٨٠٣٢)، وابن جرير في تفسيره ١/ ٧٣، والطبراني في الكبير ٢/ ١٦٣ (١٦٧٢)، وغيرِهم. من طريق سهيل بن أبي حَزم القُطَعي. وسنده ضعيف، قالَ عنه الترمذي (ت: ٢٧٩): «غريبٌ، وقد تكلَّمَ بعضُ أهلِ العلمِ في سهيل»، وينظر: علل الحديث، لابن أبي حاتم ٤/ ٦١٨، وشعب الإيمان ٣/ ٥٤٠.
(٣) النكت والعيون ١/ ٣٥.
(٤) الرِّسالَة (ص: ٥٣)، وينظر: الإحكامُ، لابن حزم ١/ ٤٥.

<<  <   >  >>