للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله تعالى: {الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: ٤٤]، فالمراد به (١): انْقادوا لحكم التوراة، وبهذا قال أبو هريرةَ وغيرُه، ومحمدٌ منهم (٢).

فإن قالوا: الأمرُ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأن يحكمَ بما أنزلَ اللهُ يجوزُ أن يكونَ إشارةً إلى ما كُتِبَ في التوراةِ من القِصاص، وذكرُهُ للرجْمِ يحتملُ أن يكونَ عَلِمَ عنهم ما كَتَموه من الرَّجْمِ.

قلنا: الأصلُ عدمُ عِلْمه بشريعتِهم، واتباعُه ما أنزلَ اللهُ سبحانه إليه، واتباعُ السُّنَّةِ وتقريرها أولى من تأويلِها ونسخِها.

* واستنبطَ بعضُ أهلِ العلم من قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ} [المائدة: ٤٣] على جواز التحكيمِ ولزومهِ لغيرِ الإمام، ولأن الحكمَ حَقُّ الخَصْمَيْن على الحاكمِ، لا حَقُّ الحاكِمِ على الناس.

وإليه ذهبَ مالِكٌ والشافعيُّ في أحدِ قوليه.

وقالَ في القول الآخر: التحكيمُ جائزٌ، وليسَ بلازمٍ، وإنما هو فتوى؛ لما فيه من تقدم آحاد الناسِ الولاة، وفي ذلك خَرْمُ قاعِدَةِ الوِلاية.

ويمكن أن يُجابَ عن قوله تعالى: {يُحَكِّمُونَكَ} بأنَّ كلَّ حاكِمِ مُحَكَّمٌ، وإذا ترافَعَ خَصْمان إلى حاكمٍ، فقدْ حَكَّماهُ في أمرِهِما، وإن كان حاكماً، ويدلُّ عليهِ قولُه تَعالى في المسلمينَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٦٥].

* * *

١١٤ - (١١) قوله عز وجل: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ


(١) "به": ليس في "أ".
(٢) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>