للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا كفَّارةَ لها (١)؛ لأنها ليستْ بمُنْعَقِدَةٍ؛ لعدمِ تصوُّرِ حَلِّها، وإنما هيَ مَكْرٌ وخديعة، واختارَهُ ابنُ المنذرِ (٢).

واحتجُّوا من السنَّةِ بقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "من حَلَفَ على يمينٍ يقْتَطعُ بها مالَ امْرِئً مُسْلِمٍ، وهو فيها فاجِرٌ، لقيَ الله وهوَ عليهِ غَضْبانُ" (٣).

وقال الشافعيُّ تجبُ الكفارةُ؛ لأنها مُكْتَسَبَةٌ بالقلبِ (٤).

وأجيبَ عن الحديثِ بأنه - صلى الله عليه وسلم - علَّقَ ذلكَ باليمينِ، وباقتطاعِ مالِ المسلمِ، والكفارةُ لا تهدمُ ظلمَ المُسلمِ، ولو كان حُجَّةً، لوجبَ أن تكونَ الكفارةُ في اليمينِ الغَموس التي لا اقْتِطاع فيها لمالِ مسلمٍ، وهم لا يقولون بذلك.

وهذا الجوابُ ضعيف، فإن الظاهرَ أن التقييدَ بمالِ المُسلمِ للتَّعريفِ والتَّعظيمِ، لا للتَّقييدِ، بدليلِ قوله: "وهو فيها فاجر".

فإن قلتَ: فما حقيقةُ اليمينِ التي عُلَّقَتْ بها هذهِ الأحكامُ؟

قلنا: هو تعليقُ القسمِ بالشيءِ العظيمِ على تركِ شيءٍ أو فعلِه.

وسُمِّيَتِ اليمينُ يَميناً؛ لأن العربَ كانتْ إذا أعطتْ مواثيقَها، مَدَّتْ أَيْمانَها؛ تأكيداً للمواثيق، فأطلق لفظُ اليمينِ على القولِ المصاحِبِ


(١) "لها" ليس في "أ".
(٢) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال (٦/ ١٣١)، و"المغني" لابن قدامة (٩/ ٣٩٣)، و"فتح الباري" لابن حجر (١١/ ٥٥٧).
(٣) رواه البخاري (٢٢٢٩)، كتاب: المساقاة، باب: الخصومة في البئر والقضاء فيها، ومسلم (١٣٨)، كتاب: الإيمان، باب: وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، عن عبد الله بن مسعود.
(٤) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ٢٦٧)، و"روضة الطالبين" للنووي (١١/ ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>