للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ثم ذكرَ اللهُ سبحانه وتَعالى بعدَ اليمينِ الكَفارَةَ مُفَضَلَةً مُبَيَّنَةً، فخيَّرَ في أَوَّلِها، ورتَّبَ في آخرِها، فخيَّرَ بينَ الإطعامِ والكُسوةِ والتَّحريرِ.

وعلى هذا اتفقَ العُلَماءُ من الخَلَفِ والسَّلَفِ (١)، إلا ما رُويَ عنِ ابنِ عُمَرَ -رضي اللهُ تعالى عنهما-: أنه كانَ إذا أَكَّدَ اليمينَ، أعتقَ، أو كَسا، وإذا لم يُؤَكِّدْها، أَطْعَمَ (٢).

قيلَ لنافعٍ: ما التأكيد؟ قال: أن يحلفَ على الشَّيْءِ مِراراً.

ولو أرادَ الحالِفُ أن يطعمَ خَمْسَةَ مساكينَ، ويكسوَ خمسةً؛ لم يجزُ؛ لأن الله سبحانَهُ خَيَّرَ بينَ الأنواعِ، ولم يخيرَّ في تنويعِ الأنواعِ (٣).

ومطلقُ الخطابِ يقتضي وجودَ التكفيرِ بحصولِ الإطعام للمساكين في أيِّ صورةٍ كانت، فلو غَداهُم وعَشّاهُم، جاز، وبه قال أبو حنيفة (٤).

وقال مالكٌ والشافعيُّ: لا يُجزئ إلا التمليكُ التامُّ؛ قياساً على الفِطْرَةِ، فقيد هذا الإطلاق بالقياس (٥).


(١) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٤/ ١١٥)، و "الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ٢٩٩)، و "الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ٢٠٠).
(٢) انظر: "المحلى" لابن حزم (٨/ ٥٣)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٣٠٥).
(٣) وهذا مذهب مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز بشروط. انظر: "المدونة الكبرى" (٣/ ١٢٦)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ٣٠٦)، و"المجموع" للنووي (٦/ ١٠٨)، و"المبسوط" للسرخسي (٨/ ١٥١).
(٤) وهو رواية عن مالك. انظر: "المبسوط" للسرخسي (٨/ ١٤٩)، و "شرح فتح القدير" لابن الهمام (٥/ ٨١)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ٢٠١)، "أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ١٥٨).
(٥) وهو الراجح من مذهب أحمد. انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٠/ ٥٢٣)، و "المغني" لابن قدامة (٨/ ٢٦)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ١٥٨)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٦/ ٢٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>